وباء إقتصادي

0 77

بقلم: خالد التيجاني النور
(1)
في ظل تعويل الحكومة الكبير على العامل الخارجي في حسابات برنامجها الاقتصادي، يلحظ المرء أنها لا تكاد تضع بالاً أو تحوطاً لكثير من العوامل المستجدة على الساحة الدولية التي ستكون لها انعكاسات سلبية مباشرة على فرص الاستجابة لتوقعاتها المتفائلة بتدفق المعونات الخارجية ومساعدة الاقتصاد السودان على إقالة عثرته وسط تحديات الانتقال المتعاظمة، وكان المطلوب من الحكومة حتى قبل بروز هذه المستجدات أن تعيد مراجعة حساباتها على ضوء تأجيل مؤتمر المانحين، وقراءة دلالاته وانعكاساته، والشروع في ابتدار خطط بديلة.
(2)
تجاهل مراجعة هذه الحسابات الخارجية، لم تعد ترفاً في ظل التطورات الخطيرة التي يشهدها العالم والتي بدأت بوباء صحي، فيروس كورونا المستجد، والذي سرعان ما قادت تبعات انتشاره إلى خلق وباء اقتصادي جراء تباطؤ نمو كبرى الاقتصادات العالمية، وهو ما ينعكس بالضرورة على ما دونه من الاقتصادات، وفي مثل هذه الظروف القاسية التي تحيط بالجميع الذين ستتغير الأولويات تبعاً لذلك، فلن تكون هناك دولة مستعدة للانشغال بمصائب غيرها في هذا الوقت العصيب الذي سيحاول كل طرف فيه أن يحصّن نفسه من غوائل هذا الوباء المزدوج الذي يحصد الأرواح، وينهك القدرات الاقتصادية، وهذه سبب كاف لأن تسارع الحكومة للتحسب على ضوء هذه الوقائع الطارئة.
(3)
أما ما يزيد الأمور ضغثاً على إبالة فهو الانهيار الكبير الذي حدث في سوق النفط هذه الأيام الذي فقد ثلث قيمة أسعاره، في أكبر خسائر تشهدها منذ ثلاثين عاماً، جراء انسحاب موسكو من اتفاق “أوبك +” وإعلانها عدم التقيد بحصص الإنتاج، الذي كان يحفظ توازن الأسعار باتفاق على حجم الإنتاج من بين أعضاء أوبك وعدد من الدول المنتجة من خارج المنظومة، وردت السعودية على الخطوة الروسية برفع إنتاج أرامكو إلى 13 مليون برميل يوماً، وهو ما أطلق حرب أسعار انهارت فيه إلى حدود 30 دولار للبرميل لخام برنت.
(4)
حسناً ما الذي يمكن أن يترتب على السودان جراء انهيار أسعار النفط، للأمر جوانب إيجابية وأخرى سلبية، الجانب الإيجابي يأتي من ناحية أن السودان دولة مستوردة للنفط من جهة، وهو ما يشكل جزء مهم من فاتورة الواردات، فضلاً عن كلفة فاتورة دعم الوقود التي تشكل الآن إحدى مشاغل الحكومة، ذلك أن انخفاض أسعار النفط من شأنه أن يخفف من كلفة الاستيراد، وكذلك يقلل من حجم الدعم الحالي للوقود.
بيد أن السودان من جهة ثانية يعتمد في إيراداته على رسوم عبور بحجم مقدر من النفط المنتج في جنوب السودان، وهو ما سوف يتأثر سلباً بالضرورة بتدهور أسعار النفط عالمياً. وبالتالي هناك حاجة لحساب الفائدة والضرر المتوقع على البلاد من هذه المعادلة المعقدة.
(5)
وهناك وجه آخر للضرر الناجم عن انهيار أسعار النفط ناجم عن أن دول الخليج العربي المنتجة للنفط التي ستتأثر سلباً بهذه التطورات بلا شك لن يكون بوسعها تقديم أي عون للسودان في ظل استمرار هذا الوباء الاقتصادي، حتى لو رغبت أو استجابت لطلب المجتمع الدولي، وفي الواقع أنها كانت تعاني حتى قبل هذه التطورات الأخيرة، وليس سراً أن الحكومة كانت تطمح إلى دور كويتي في تسديد المتأخرات المفروضة عليه لقروض صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي البالغة نحو ثلاثة مليارات دولار، حتى يتمكن من تطبيع علاقاته مع مؤسسات التمويل الدولية ليتمكن من الحصول على دعم منها.
(6)
والسؤال هل ستضع الحكومة كل هذه التطورات في حسبانها وتسارع إلى مراجعة حساباتها الاقتصادية المعتمدة على الخارج؟ أم تصر على تجاهل هذه المعطيات فتزداد الأوضاع ضغثاً على إبالة، أم تسارع إلى القيام باستحقاقات التصدي بإرادة وطنية وعزيمة شعبية وقيادة حكومة فاعلة لتبني مشروع وطني ملهم يفجر الطاقات الكامنة التي يزخر بها السودان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.