غندور: أنا من يد البشير دي ليد البشير دي

0 72
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
أغنانا عثمان ميرغني في كلمته الرصينة “عودة غندور لا عودة الوطني” في التيار أمس الأول عن دفق حبر كثير في استهانة غندور بحديثه عن المؤتمر الوطني و”كأنه ينكأ في جرح الشعب السوداني أو يشمت في مالآت الثورة”. فتثبيت المؤتمر الوطني حين نزعه الشعب “هو إصرار على الاستهانة بالشعب السوداني الذي أسقطه بثورة لا في انتخابات” و”وقرار الشعب هو مبدأ فوق الدستور نفسه”. وغندور، كإسلاميين كثيرين عرفتهم، يصعرون الخد دون قبول هذا الحكم القاسي عليهم. وسألتهم مراراً أن يعملوا النفس اللوامة لا النفس الآمرة بالسوء ليستدركوا أنفسهم دون تمام مغرب مشروعهم.
عاد بي غلو غندور في كلمته إلى طرفة وكلمة قديمة لي عنه عائدة إلى ٢٠٠٤. أما الطرفة فيقال إن رجلاً أحدث فقال “يا ساتر!”. فقال له من شم ريحه: “السترة فارقتها قول الله يجعلو شفاء”. فقول غندور “يا ساتر” بعد الاطاحة المهينة بحزبه مما استحق أن يقول فيه “اللهم أجعله شفاء”. وهذا إلى الاعتذار الذي طلبه منه عثمان ميرغني أقرب.
أما الخبر القديم عنه فهو في مناسبه تعيينه مديراً لجامعة الخرطوم بواسطة الرئيس البشير وهو ما يزال رئيساً لاتحاد عمال نقابات السودان. وافتضح في حديث له عن الأمر أنه لا قامة مستقلة له ولا إرداة في الأداء السياسي بقوله بغير مواربة إنه “من يد الرئيس دي ليد الرئيس دي”. فإذا كان لابد من أحد يتزعم المؤتمر الوطني بعد سقوط العفو عنه فأولى البشير صاحب الأيادي الطولى على غيره.
فيبطل التيمم بحضور الماء.
إلى كلمة (محررة) عمرها ١٨ عاماً لم أسعد فيها بغندور:
قرأت بعناية حديث البروفسير إبراهيم غندور، مدير جامعة الخرطوم، الي الأستاذ عارف بجريدة الصحافة (١٥ مايو ٢٠٠٤). ومما يحسب له فيه أنه جلس بخاطر طايب يجيب على أسئلة من عابوا تعيينه في هذا المنصب المميز. وهذه عادة ديمقراطية ليست شائعة بين قادة العمل التنفيذي. وربما “هدت” الحركة النقابية علي غندور فأزالت عنه أورام كبار الأفندية. فعامة السودانيين، وفي النقابات، يؤثرون في قيادتهم “الواطي” كما يقولون الذي لا يضيق بأسئلتهم أو مساءلتهم. وقد كان المرحوم أبو سليم يضيق احياناً بطاقم موظفيه. وقد حسدني على تجربتي النقابية والسياسية قائلاً: “لقد وجدت نفسي مديراً من أول يوم تعينت فيه في الحكومة. ولم أنتم الي حزب. وددت لو أن لي حظك من السياسة. احتاج إليها احياناً”.
أريد مع ذلك أن أراجع غندور في بعض مقولاته لا لجاجاً بل طلباً للخير. فقد قال إن تعيينه من قبل رئيس الجمهورية هو أكثر التقاليد ممارسة في تنصيب السلف من مدراء جامعة الخرطوم. وقال إنه لم تجر الانتخابات إلا لمديرين من ١٥ مديراً مروا بالجامعة. ولست متأكداً إن كان اختيار المرحومين نصر الحاج علي (آخر الخمسينات) والنذير دفع الله (أوائل الستينات) ممن انطبق عليه التعيين انطباقه علي غندور، أو بروفسير حميدة، أو بروفسير علي فضل، أو المرحوم بليل مثلاً. فقد جري اختيار نصر والنذير بواسطة مجلس الجامعة بغير ضوضاء سياسية كبيرة كالتي جرت لدى اختيار المرحوم عمر عثمان (1968) أو البروفسير يوسف فضل (1986) بالانتخاب.
فإذا صح تقديري هذا يكون الانتخاب قريناً بالنظم الديمقراطية والتعيين قريناً بالنظم الديكتاتورية. ولما كانت النظم الأخيرة هي الفاشية عندنا تكاثر التعيين وقل الانتخاب. وهذا باب في السياسة لا في حسن إدارة الجامعة.
من الجهة الأخرى انزعجت للطريقة التي انتمى بها غندور لرئيس الجمهورية وجهازه التنفيذي بغير قيد ولا شرط. فلما سأله عارف إن كان سيبقي في أمارتيه، الجامعة واتحاد العمال، قال: “هذا ليس قراري. فبقائي بالجامعة في إدارة الجامعة رهين برغبة رئيس الجمهورية الذي كلفني بالأمر وبقائي رئيساً لاتحاد العمال رهين بالحركة النقابية. وبقائي بالمنصبين رهين بالذين أوصلوني لهذين المنصبين”. وقال مرة ثانية إن الرئيس طالما كلفه بإدارة الجامعة فهو جاهز، وإن رأي غيره فهو جاهز، وإن رأي أن يهجر مدارة الجامعة واتحاد العمال فهو جاهز. ومع أننا بالطبع نعرف ونقدر ولاء غندور للرئيس إلا اننا لم نرد له أن يشتط في التعبير عن هذا الولاء بما يشفقنا على الجامعة. فقد تأذت الجامعة كثيراً من مثل هذا الولاء المطلق لنظام سياسي. فقد وقع أكبر تطهيرين سياسيين في الجامعة في 1969 و1992 لأن المدير المعني لم يغلب مصلحة الجامعة على مصلحة النظام.
وقد أعجبني من غندور أنه شدد قائلاً إن للجامعة رباً يحميها من سيطرة الحكومة بما كفله لها القانون من مؤسسية وإدارة ذاتية. ولكن من حقنا أن نفترض موقفاً كان الخيار فيه لغندور بين نازع الجامعة ونازع الدولة. وهو موقف كثير الحدوث. ولن يصعب علينا أن نتكهن الي أين سينزع غندور بعد ما قاله عن فرط جاهزيته لخدمة الرئيس. فقد توقفت مثلاً عند مشغوليات غندور في اتحاد العمال. فقد اشتكي هو نفسه من كثرة اجتماعاته التي تبلغ 7 اجتماعات في اليوم. وعليه بدا لي الجمع بين اتحاد العمال والجامعة (بالبرنامج الواسع الجيد لتطويرها الذي التزم به في حديثه الصحفي) من ضروب المستحيل برغم ما أعرفه عن غندور من شدة وجلد. فالواضح أن ليس بوسعه أن يعيد ترتيب أسبقياته لأنه سلب نفسه من حق هجر اتحاد العمال ليولي الجامعة جهده غير الموزع ورهن ذلك بإرادة الرئيس.
وليس في نفسي غصة خاصة علي غندور. وإنما هو الشأن العام والتناصح في المعاش والمعاد. وأتمني ان يستخدم نفوذه الحسن في الدولة ليسترد الإحسان لهذه الجامعة التي هي سفينة القيادة في التعليم الجامعي. وأتمني أن يحمل النظام على إعادة النظر في قانون الجامعة لكي يأذن بالانتخاب كما حملهم على فصل نقابة الأساتذة عن نقابات الجامعة الأخرى. وليهنأ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.