أبا والشيوعيون: “نحن الأنصار ما دايرين الحمرة الأباها المهدي ولا الشيوعيين”
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
لم يكن الجيش في أحسن حالاته في الهجوم على أبا. واضطربت القوة التي صُرف لها أمر التحرك للجزيرة ظهر الخميس 26 مارس اضطراباً جاء بخبر مظاهره الدكتور عبد السلام صالح في لقاء له مع عدلان عبد العزيز. وصحب عبد السلام الحملة كقائد سلاح الجراحة بالسلاح الطبي أي “الأحمر” وهو كود الجيش لهذه السلاح. ولم يكن قائد السلاح الطبي الذي انتدبه للمهمة يعرف هو نفسه طبيعة المهمة بعد السؤال. وكان الأمر بالمهمة واجب التنفيذ بعد ساعة ونصف من إبلاغ عبد السلام به. فسارع لبيته ليستعد لها معجلاً بدون اخطار أهله بوجهته ليذهب لنقطة التجمع في سلاح المدرعات بالشجرة بقيادة أحمد عبد الحليم وعمر محمد سعيد. وعرف في الشجرة أن المهمة هي تأمين سير باخرة نميري التي كانت جماهير الأنصار تلقاها بمظاهرات معارضة. ومع استعجالهم له للتبليغ للمهمة إلا أنه ظل ينتظر التحرك من الساعة الثالثة إلى نحو السادسة حين بدأت القوة في التحرك.
تحركت القوة من سلاح الدبابات بالشجرة. واتسم سير القوة نفسها بالارتجال. وتكونت قوة السلاح الطبي فيها من عبد السلام والأطباء أحمد نجيب وعبد الغني فرح. والأخيران بيض اللون خلافاً لعبد السلام الضارب للدكنة. ولاختلاف الألوان ذاك حكاية ترد. وكان العجاج الذي تثيره العربات يغطي سماء مسيرتهم. فانفصلت عربتهم عن القوة الرئيسة وضلت في الخلاء. ونجحت أخيراً في العودة أدراجها لتلقى بعض سيارات أخرى من القوة الرئيسة في الشوال افترقت هي نفسها عن القوة الأم. وسار ذلك الجمع المنقطع عن القوة الرئيسة حتى بلغ الشوال. فاقترح عبد السلام عليهم المبيت ليلة الجمعة في الشوال لاستئناف المسير في الغد. وفعلوا. وقاموا صباح الجمعة 27 مارس ليصلوا المرابيع التي لم تبلغها بعد القوة الرئيسة. وهناك سألهم عثمان أمين قائد تلك المنطقة” “الجيش وين” لتلحق بهم تلك القوة بعد ذلك. وتقرر أن تغادر القوة وتترك السلاح الطبي في المرابيع ليُسْتدعي متي نشأت الحاجة له. وبقي الأحمر في المرابيع منذ الثامنة صباحاً ينتظر التعليمات.
عسكرت القوة البرية في ربك. فجاءتهم قذائف من الجزيرة. بل هجمت عليه قوة من المقاتلين تبادلت النار مع القوة البرية وانسحبت. ولم ينته اضطراب القوة البرية عند ذلك الحد. فلم تصرف لهم أوامر إلا في نحو الساعة الثانية بعد الظهر. فجاء الأمر بالتحرك للجاسر وهو الجسر الذي يربط الجزيرة بشط النيل الأبيض الشرقي. وروى حسن نجيلة في “ملامح من المجتمع السوداني” حكاية اقامته بأمر السيد عبد الرحمن المهدي للأنصار في 1935 ليعبر به وفد مصري تجاري النيل لزيارته ولما بلغ الأحمر، السلاح الطبي، الجاسر وجدوا كل القوة بقيادة أبو الدهب على الجاسر محاصرة بعد كمين نصبه الأنصار وسلاحهم مشرع. وعند كل عربة صفيحة جاز جاهزة للاشتعال. وكان جنود القوة فوق عرباتهم بلا حراك. وكان، في قول عبد السلام، ترى عربات تقل الإخوان المسلمين تتحرك. وكانت ضمن القوة دبابة برمائية سبب خوفاً كبيراً للأنصار لتنقلها بين البر والماء. وافسدت البرمائية رهبتها بتوحلها في الطين.
وقفت عربات الأحمر عند الجاسر. وتآنس معهم شيخ أنصاري. ورأى الأنصاري محمد نجيب وعبد الغني فرح بألوانهم الضاربة للبياض وعليهم أزبلايط العقداء الحمراء فقال: “نحن الأنصار ما دايرين الحمرة الأباها المهدي ولا الشيوعيين”. وصدف أن رفيقنا محمد نجيب “أحمر اللوني” وشيوعي كذلك. وقال لعبد السلام بلونه الضارب للدكنة: “انت ما عندك مشكلة إلا ديل”.
سمح الأنصار لأبي الدهب بدخول الجزيرة أبا ليعود أدراجه بقوته. وتحركت القوة إلى ربك. وعسكرت في الموقع الخطأ وهو محلج قطن يتبع لحامد الأنصاري. حتى جاء أبو القاسم محمد إبراهيم ليغير الموقع خوف أن تقع على اقطن قذيفة انصارية فيهلك الجميع. وبالفعل احترق المحلج في نفس الليلة.
كان نميري في كوستي يوم الخميس 26 مارس وغادر إلى الخرطوم صباح الجمعة بنفس الطائرة التي جاءت بمحمد ميرغني قائد السرب لتهيئة مطار ربك لاستقبال طائرات حربية تشارك في غزو أبا. وكان عبد السلام في وداعه بالمطار. وتولى بعدها أبو القاسم محمد إبراهيم قيادة القوة لفتح أبا. وقال زين العابدين محمد أحمد عبد القادر أنه أدلي بأقواله عن دوره في مواجهة أبا أمام المحكمة التي انعقدت بعد ثورة 1985 لمحاكمة مدبري انقلاب 1969. ودي عاوزه همة من باحث شاب حفّار.