أدوات السيد لا تهدم بيت السيد: حرب اللصوصية من أمن الاستثمار
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
لا يختلف ضياء البلال مع لجنة تفكيك التمكين في وجوب محاربة الأنشطة الاقتصادية الهدامة وفي مقدمتها تجارة العملة التي تتم عبر النظام لمصرفي دون رابط أو رادع. ولكن خلافه معها في “الطرق والأساليب والوسائل ومدى احترامها لنصوص القانون والتزامها بمبادئ العدالة.” فلا اعتراض عنده أن تقوم اللجنة بإجراءات تردع الفاسدين وتنتزع ما نهبوه “ولكن دون أن ترهب المُستثمرين وتفسد مناخ الاستثمار” مثل المصادرات الجزافية وكشف الحسابات المصرفية. وهي عمليات قال إنها سترعب حتى رجال المال والأعمال غير المستهدفين”.
يريد البلال بما تقدم أن يقول إن ما تقوم به لجنة التفكيك من إجراءات مما يؤثر سلباً على بيئة الاستثمار فيمتنع حتى غير المستهدفين بها الدخول برساميلهم في الإنتاج.
وسنتوقف هنا عند مسألة مهملة عند مثل البلال وهي أن ما أرهب، وما يزال يرهب، رجال الأعمال دون الاستثمار هو لصوصية رجال الدولة ونسائها في الشركات الحكومية التي استولت على السوق، وسدت منافذه على الرأسمالية الوطنية. فصار عليها مثل جدادة بره الطردت جدادة جوه.
تواضع الناس على وصف تطفل رجل الدولة في الاقتصاد ب”الفساد” كحالنا مع الإنقاذ. وما هو كذلك. فالفساد كما كررت حالة “تسلل”، بلغة الكورة. فقد “تسرق” الباك ولكن عين الحكم ورجال الخط ساهرة وغالباً ما القت عليك القبض دون الهدف، أو ربما فاتت عليهم. أما دخول رجال الدولة في الاقتصاد من موقع شوكتهم فهو لصوصية، أو دافوري، إذا أردنا موالاة مجاز كرة القدم. ففي الحال الأخيرة يعطل النافذ في الدولة القوانين المالية بالكلية، وينزع ولاية المال العام عن وزارة المالية، وهاك يا حرمجة للباطوس اشتهرت عندنا بالتجنيب. والصيغة المعروفة عن تطفل رجل الدولة على الاستثمار أنه يحول شوكته إلى ثروة transforming power into wealth.
وسأستعين برأيين من اقتصاديين ثقة هما المرحوم إبراهيم منصور وعادل الباز لبيان كيف ساقت هذه اللصوصية بحمرة عين إلى كساد الاستثمار وصدئه خلال حكم الإنقاذ.
تذكرون كيف ودعنا إبراهيم منعم منصور قبل رحيله برسالة غراء إلى عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة لهذه الدورة، يلتمس منه أن يرفع الجيش يده عن شركاته كلها إلا غير الربحية مثل صناعة السلاح. وهي رسالة مما يُعلق على أستار كليات الاقتصاد لا لنصاعة نظراتها الاقتصادية فحسب، بل لشجاعتها في مغرب العمر أيضاً.
اعترض إبراهيم على الأنشطة التجارية التي دخلت فيها بعض الشركات والمؤسسات مزاحمة للقطاع الخاص. فنافست (في الحقيقة استولت) في أسواق الحبوب الزيتية (السمسم والفول). واللحوم، والصمغ العربي، بل ما شاع أحيانا في المضاربة في العملة وشراء الدولار من فوق إعفاءات جمركية و… و …. وقال إن هذا حديث أهل الأسواق لو أرخى البرهان لهم أذنه. وسمع إبراهيم منهم عن تشردهم من الاستثمار في الإنتاج إلى تجارة العملة قولهم: “تفتكروا تركنا التجارة ودخلنا سوق العملة باختيارنا. حدث ذلك بعد أن وجدنا أنفسنا في سوق سلعي غير متكافئ مع شركات حكومية. وحتى في سوق العملة نٌلاحق نحن التجار ويُلقى علينا القبض وتخلو لهم (أي رجال الدولة) السوق ولا أحد يسألهم”.
وللباز كلمة رصينة غاضبة وساخرة في إفساد الشركات الحكومية للاستثمار وإرهاب أصحابه الطبيعيين (الأحداث ٣١ مارس ٢٠١١). والكلمة عامرة أخشى أن يطول بها المقال ويُرْهب دون قراءته. ونتناولها في كلمة قادمة.
وهكذا رأينا الفساد، جدلاً، خرب الاستثمار في العمليات الإنتاجية في حين لم نر بعد كيف يرهب عقاب المال الفاسد المستثمرين المستحقين. اقتصرت تجربتنا إلى يومنا هذا على تخريب المال الحرام لبيئة الاستثمار. وهو تخريب وقع برغم أنف قوانين شرّعتها الإنقاذ لمحاربة الفساد. فصدرت عنها جملة قوانين مثل قانون الثراء الحرام لعام ١٩٨٩ وقانون محاربة غسيل الأموال وغيرها. ومع ذلك انتظر هذا الفساد العاول عقوداً لتطوي ثورة ديسمبر صفحته. وما أخضعت الثورة الفاسدين للحساب حتى تصارخ القوم لا تعرف من بكى ممن تباكى في قول المتنبي. وتظاهروا يلوحون بوجوب تطبيق القوانين القديمة المورثة التي لو أجدت فتيلا لما تكلفنا ثورة عالية الكلفة. وكما قالت أودري لورد، الشاعرة والناشطة الأمريكية، بتحوير مني” “أدوات السيد لن تهدم بيت السيد. ربما يسمحون لنا أن نهزمه في لعبته، لكنهم لن يسمحوا أن نحدث تغييراً حقيقيًا. وهو التغيير الذي لا يهدد إلا الذين يعتبرون بيت السيّد مصدر دعمهم الوحيد”.