أرجوكم ألا تعطوا الثورة اسماً فسوقا

0 46
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
إلى الفريق إبراهيم جابر رئيس لجنة استئنافات لجنة تفكيك تمكين نظام يونيو التاسع والثمانين
إلى مولانا نيقولا عبد المسيح نائب رئيس اللجنة
إلى المهندس صديق يوسف عضو اللجنة
وإلي القحتاوي الثالث الذي راح اسمه علي. عضو اللجنة
تتواتر بيانات التضامن مع لجنة تفكيك نظام يونيو ١٩٨٩. سبق لتجمع المهنين إصدار بيانه يشد من أزر اللجنة. وتتابع التضامن مؤخراً في قرارات مجلس الوزراء الأخير والإعلان السياسي لقوى قحت. ناهيك من ورود وظائف اللجنة في التفكيك كعقيدة حكومية ضمن سياسات رئيس الوزراء الأخيرة المعروفة ب”المبادرة” التي شكل رئيس الوزراء لجنة لتنفيذها.
وبدا لي أن التضامن مع اللجنة أيسر من هذا “التحمي والتدمي” في معنى الإحماء للأمر العصيب مرة واحدة. فأشق ما تواجه اللجنة اليوم هو انكشاف ظهرها لتبخر آليات الاستئناف من فوق سمائها. وبقيت بمفردها في ميدان تفكيك التمكين تلقى أذى لا حدود له من العدو والصليح. فأسعد الثورة المضادة غياب الاستئناف لتصبح المظالم التي أخذتها على اللجنة مادة لتحريض من الدرك الأسفل من نوع: أدي الحلة عيطة وأدى النقارة عصا. فجعلوا منها عنواناً على فساد قحت فساداً فاق على فساد الإنقاذ المزعوم في نظرهم بالطبع. وكانوا الكاسبين من غياب آليات الاستئناف يتمنون ألا تقوم له قائمة لأنه سيكون خصماً عليهم متى ثَبّت لجنة التمكين من قراراتها. أما على ضفة الثورة فقد تحرج خلق كثير من بعض قرارات اللجنة وأكثر علمهم بها من كثافة أدب الثورة المضادة. فدخلوا في ضفورهم. فوقعوا بالقريحة على مطلب رد الأمر كله إلى مفوضية الفساد. بل ذهب كثير منهم إلى أن القضاء هو الأولى بالأمر من ألف إلى ياء. وخرج ناس مستر نايس Mr. Nice الذين اكتشفوا، مرهوبين بصوت الثورة المضادة العالي “ما قتوا سلام حرية عدالة”، أن الديمقراطية نظام بلا أسنان مع أنها، في قول أحدهم، إنها لا تكون بين خائري الركب (democracy is not for the timid)
وتبخر الاستئناف، للأسف، من صنع قحت وحكومتها الانتقالية إلى حد كبير. فاستقال عضوان من اللجنة فيهم صديق يوسف ولم تبدأ اللجنة عملها بعد. ولا نعرف إلى اليوم إن حققت قحت معهما، وعرفت علتهما، وعرضت ذلك على الرأي العام بعد استبدالهما. فاحتلال موقع ثوري أمانة ومغادرته لاعتبارات حزبية نقص معيب. من الجهة الأخرى لا يعرف أحد ما يدور في أروقة القضاء من جهة قيام الدائرة العدلية التي هي من فوق لجنة الاستئناف. كما صمتت قحت و ممثلا مجلس السيادة في لجنة الاستئناف، الفريق إبراهيم جابر ومولانا عبد المسيح، سدو دي بطينة ودي بعجينة وفرا من قسورة. ولم تعرض قحت وحكومتها لهذا الغياب الشين لرمزين في سدة الحكم، وعرضحالات المستأنفين تزحم الأفق. وودت لو ساءلت قحت مولانا عبد المسيح التي جاءت إلى موقعها خياراً من خيار طرباً بالمختلف نوعاً وديناً. وبلغنا من العيب في المستأنفين حد استلام ظلاماتهم بواسطة لجنة لم يكتب الله لها أن تجتمع “فنة” خلال عمرها غير القصير لتحيلها للجنة قحت للتعليق. وهذا باب غريب في حسن التخلص.
لا نريد لهذا التحمي والتدمي الأخير تضامناً مع لجنة التفكيك أن تنطبق عليه نكتة الجرسون الذي قال للزبون: “الظاهر عليك ما داير تدفع” حين أكثر من كلمة “شكراً” عند كل خدمة قدمها له. وسيكون إهمالاً بغيضاً من قحت وحكومتها لو كانت “شكر”ها تبيتاً ألا تعين اللجنة، التي تشقى خلال أداء واجبها لغير خطأ منها، حقاً باستكمال حلقات الاستئناف.
فمما يمزق نياط نفسي أن يظل استئناف السفير خالد موسي لقرابة العام بلا وجيع. ولا أريد أن أشخصن الأمر فهو عندي كاتب سوداني من الطبقة الأولى إذا رغبتم عنه في الدبلوماسية أو لم ترغبوا. قدمت له كتابه “سيرة الترحال عبر الأطلنطي” وهو ما لا يكتبه من احتاج إلى رافعة أو تعزيز. لم أطلع بالطبع على “فايله”، ولست في وضع للحكم على مسيرته الوظيفة، ولكن لو أعملت فراستى فأشك أنه احتل أي موقع في الخارجية، من أول تعيينه إلى أن أصبح سفيراً، بغير خدمة ضراعه. وكتبت في ختام مقدمتي له:
“هذا كتاب سائغ. فهو هجومي كما ينبغي للفكر بغير شراسة. وهو دفاعي كما ينبغي للفكر أن يكون بلا بطبطة. فخالد في خفض من الاطلاع والنظر في المسائل التي عالجها بصورة لا تلجئه لا للشراسة ولا للبطبطة. جمله قصيرة شاعرية ميسرة. ويستقوي بالديباجة العربية بلا مَن ولا أذى: “عصماً لنفسه من هذا الدخن”، “استخرج السخائم واستروى الزفرة الحرى”، “ويخرج رحيق القافية سائغاً من بين دم المعنى وفرث الإلهام”. فتأمل.
قولوا له “غور” ولكن ليس قبل الاطلاع على استئنافه وإلا فارقتم جمال التغيير السياسي الذي قيل إنه العزم مع الدماثة. وهذا ما نمني النفس أن يكون الديدن بعد بشارة الخير من تعاقد قحت والحكومة والمهنيون أن يحسنوا إلى مبدأ تفكيك دولة الإنقاذ. أرجوكم ألا تعطوا الثورة اسماً فسوقا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.