إعمار الريف: يمينك في يدي..!

0 74
.

طربتُ والله (بمقدار 24 قيراط) من مقال قرأته في صحيفة “الديمقراطي” عن (العودة إلى الريف) يخشى صاحبه من إهمال هذه المبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء في (مقام محمود) يحتفي بالزراعة والمزارعين.. ودعا كاتب المقال إلى أن نأخذ الأمر على محمل الجد حتى لا يتحوّل إلى شعار ننساه بعد حين.. كما قال أمير الشعراء عن وطنه (كل شيء فيه يُنسى بعد حين)..فقد تردد هذا الشعار كثيراً مع تعاقب حكوماتنا قبل الإنقاذ..ونحن لا نأخذ أي كلام أطلقته الإنقاذ إلا على (عكس المُراد منه) فهذه عصبة شر ودولة باطل لم يكن حديثها طوال الثلاثين الطوال الثقال إلا أكاذيب وترّهات..! يطلقون الشعارات الكذوبة ويهدفون إلى عكسها.. وكان الناس يتحسّبون للشرور عندما تتحدث الإنقاذ عن الإنصاف؛ ويتوقع الناس اشتداد (ترس الفساد) عندما يتحدثون عن الطهارة والمحاسبة؛ ويتوقعون الظلم الصريح عندما تتحدث الإنقاذ عن العدالة؛ وينتظرون الارتكاس والانتكاس والتدهور عندما تتحدث الإنقاذ عن النهضة.. فهي دولة باطلة عاطلة من أولها إلى آخرها مهما تصايح صاحب (المنبر المكسور) وأعوان الظلم من صحافة التخذيل ومنابر الضلال..وحسبك من دولة ناصحيها وواعظيها هم علماء السوء ومفتي إسطنبول..!
والعودة للريف وإعادة إعماره تتطلّب سياسات راشدة وجهوداً عملية حتى ينطلق المواطنون إلى الريف (طواعية) ويخرجون من المهن الهامشية في الخرطوم والتكدس الذي لا نفهم منه غير إعاقة المرور.. وكل ذلك يحتاج إلى قرارات شجاعة كما قال المقال تبدأ بالوقف الفوري للخطط الإسكانية المترامية في إطراف العاصمة التي قاربت حدود ولايات الجزيرة وكردفان والشمالية ونهر النيل..! وهي امتدادات مظلمة كئيبة تتم بغير خدمات مياه وكهرباء ومشافي ومدارس وتجعل الأمر (جهالة عشوائية) تصدر من الدولة التي تحارب السكن العشوائي وهي من أكبر مصادره..! كما يتطلب الأمر اهتماما أكبر بالزراعة والثروة الحيوانية والمشروعات المُنتجة وتشجيع الشباب عبر تسهيلات عملية تساند المشروعات الصغرى والمتوسطة وتعمل على تحسين وتجويد وتغليف وتصدير المنتجات الزراعية وتطوير الخدمات البيطرية وإعادة الحياة والخدمات للريف والاعتبار والتشجيع العملي للمزارعين والرعاة.. ذلك أن الريف هو مصدر الحياة .. وكما كان يقول عالمنا الكبير التجاني الماحي (المدينة من صنع الإنسان والريف من صنع الرحمن)..! ولن تتم عودة الناس إلى الريف من غير إجراءات وسياسات ومبادرات عملية.. فحركة الإنسان تدور مع الخدمات وسبل كسب العيش ولا تدور بالأماني.. ويجب الابتعاد عن الدعاوي المريضة بأن أهل الريف سببّوا الضيق لأهل المدن فهذه دعوات طبقية (زهزهانية) لا محل لها مع حقوق المواطنة المتساوية والملكية المشتركة للسودانيين في دولتهم.. ونحن على يقين أن الإنقاذ كانت ترمي بسياساتها الخبيثة إلى نشر التعاسة على سكان الحضر والريف معاً..حتى تستثمر في الفرقة وشحن النفوس بالبغضاء وتصوير الأمر وكأن (أهل الوبر) يصادمون (أهل المدر) والمزارعين يحاربون أهل السعيّة..! ولا سبيل للخروج من ألغام الإنقاذ إلا بسياسات عملية والانتصاف للمُنتج العامل من (المستهلك العاطل).. وبناء الحقوق على الإنتاج وقوة العمل وتقليص المناصب السيادية الشرفية والاستفادة من عائدها في بناء الاقتصاد وتقليص العطالة المستترة بين أصحاب الياقات البيضاء و(الكرفتات المزركشة) لصالح العاملين الكادحين في المدينة والريف.. وما ينتظره الناس من حكومة الثورة أن تحوّل الشعار إلى خطط وبرامج وأرصدة ومواقيت ومبادرات وأن تبدأ بتشكيل مجموعة وزارية أو غرفة عمليات عليا تتعامل بملف إعمار الريف فهذا هو (مشروع السودان القومي) الذي لا يحتمل التأخير حتى تتنفّس البلاد بالتوجه نحو الزراعة ثروتنا الحقيقية.. بدلاً من التكأكؤ على (جبل عامر) وغربلة الحصى في البوادي..!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.