إلى (اللّابدين) جميعاً: لا تُخطئوا الحساب
كتب: الحاج ورّاق
.
• الأوضاع التي ارتسمت في البلاد، عقب الثورة وتوقيع الوثيقة الدستورية، لم تكن خيار أي طرف من الأطراف، وإنما تعبيراً عن توازنات القوى- المحلية والاقليمية والدولية.
• ولأن هذا التوازن هش وقلق، وبعض أطرافه مسلحة، فليس من سبيل لتعديله إلا بالعمل السلمي والحوار والتوافق، وأيما طرف يحاول تعديله بقوة السلاح فلن يحقق أهدافه التي امتشق لأجلها السلاح، وربما يزلق البلاد نحو الحرب الأهلية الشاملة التي تهد كامل البناء على رأسه ورؤوس الجميع.
• ومن القوى (اللابدة) بالتآمر الانقلابي، مجوعة كوبر، وتعتقد انها تستطيع إمتطاء الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً وأنها توظف منذ زمن اختراقاتها وسط القوى السياسية والمدنية للمزايدة بشعارات الثورة لأجل الانقلاب عليها وتصفيتها.
لكن الشارع الفعلي، وليس الشارع المتوهم لدى مجموعة يائسة ومعزولة، شارع منقسم بحدة وتياره الرئيسي معادٍ لهم، ولذا حين يخرج سيخرج غالبيته مطالباً بالخبز وبـ(أي كوز ندوسو ندوس)!، مما يجعل احتمال توظيف هذا الشارع ضدهم أكبر من توظيفه لصالحهم..
• إضافة إلى أن النواة الصلبة لمجموعة كوبر– الجهاز الأمني العسكري–، بفعل الفساد والانهيار المعنوي وتعدد المراكز و(بازار) البيع والشراء وسطها، باتت مخترقة حتى المشاش، ولذا مهما كانت آليات التمويه والخداع ما من فعل رئيسي لهذه المجموعة يمكن أن يتحقق على حين غرة!.
• والأرجح أن تعتمد القوة المخترقة ذات تكتيك 13 أبريل، حيث واكبت خطتهم لــ(تجديد المنقار)– أي عزل عمر البشير عبر تغيير محدود متحكم به–، وفي اللحظة الحاسمة قطعت عليهم الطريق وصعدت بالبرهان- حميدتي بدلاً عن كمال عبد المعروف.
• كما تأكد الاختراق النافذ عند إنقلاب هاشم عبد المطلب.
فاذا غامرت المجموعة مرة جديدة فليس في كل مرة تسلم الجرة، وغالباً ما يحيق بتيارها ما حاق باليسار عقب 19 يوليو 71.
• والمتأمل في حالة الانتشاء التي ظهرت بها مجموعة كوبر في آخر جلسة من جلسات محاكمتهم ييقن أن مغامرتهم قد اقتربت، فهم لا يتفرعنون إلا عندما يتوهمون تمكنهم، ولكن التحليل الدقيق للأوضاع يشير إلى أن انتشاءهم إنما يحاكي (عوعاي) ديك المسلمية: (يعوعي ويكشنو في بصلتو)!!.
• والأسلم للتيار الإسلامي أن يتعامل مع الأوضاع القائمة كنعمة لا نقمة، بالتخلص من مجموعة القتلة والحرامية، فيراجع منطلقاته الفكرية ليقبل نهائياً بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ويقبل المساءلة عن الفساد والانتهاكات، ويرفض الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الأخرى.
• وأما المجموعة (اللابدة) الأخرى، فهي ضمن القيادات العسكرية الرسمية، كلما خرجت إلى العلن تنصلت عن مسؤوليتها في الإخفاقات ورمتها على المدنيين، في حين أفشل المدنيين من الأقزام ليسوا مدنيى الشعب وإنما مدنيو تفضيلات وتدخلات الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية على تعددها وتناقضها.
• وربما تعتقد هذه المجموعة وداعموها الإقليميون انها يمكن أن تخنق الحكومة المدنية اقتصادياً، وتفتح للاحتجاجات– العفوية والمصنوعة بل والمدبرة من أنصار النظام المعزول- ثم تسمح أو تستدرج بعض الانفلاتات الأمنية، وتحت ستار كل ذلك (تنحاز) للشعب وتفرض إقالة رئيس الوزراء د. حمدوك، قبل قدوم بعثة الأمم المتحدة التي تجعل من أي انقلاب لاحق في حكم المستحيلات.
• لكن غض النظر عن مدى انسجام القيادات الرسمية الذي يشكل شرط ضرورة لهذا السيناريو، وهو انسجام غير متوفر في الحد اللازم، فإنها مع ذلك، حتى لو نجحت في الاستفراد بالسلطة فلن تعمر فيها، حيث ستتوحد ضدها التيارات الرئيسية لقوى الثورة والحركات السياسية.
• وكذلك، بالنسبة للمجتمع الدولى والقوى النافذة فيه الغرب، حتى لو خرج طوب الأرض في السودان يطالب بعزل حمدوك فإن عزله بصورة غير نظامية- عبر (انحياز) الجيش- الدعم السريع، سيعامل كانقلاب عسكري، ويترتب عليه بالتالي مزيد من العزلة والعقوبات الاقتصادية، مما يعني تفاقم الأزمات، وطال الزمن أو قصر سترتسم ذات وضعية 13 أبريل، وسيختار ضباط أقل رتبة الانحياز ضد قادتهم- الذين سينتهي بهم المقام إلى كوبر أو المحكمة الجنائية الدولية.
• ولا يعني هذا امكان التعايش مع ضعف كفاءة الحكومة واضطرابها ولا مبالاتها، فهي قطعاً حكومة أدنى من مقام الثورة ومطلوبات الانتقال، ولا بد من إصلاحها جذرياً، لكن إصلاحها بطريقة نظامية ومؤسسية، بحسب الوثيقة الدستورية واتفاقات السلام، وعبر الحوار المخلص النزيه وبالتوافق بين كل الأطراف الرئيسية، سواء القوى المدنية والسياسية ولجان المقاومة وتجمع المهنيين، أو الجيش والدعم السريع، أو حركات الكفاح المسلح.
• وهذا التوافق المبنى على حوار نزيه بين الأطراف عمل شاق ومعقد يحتاج إلى صبر لكن بديله إعادة تنكب أزقة الآلام العظيمة