الأجندة المُستتِرة للرافضين للتطبيع

0 114
كتب: د. النور حمد
.
يمكن أن نحصر المنصات السياسية الرافضة للتطبيع في ثلاث: أصحاب الأجندة الإسلاموية، وأهل اليسار الماركسي والعروبي، والمتعلِّلين بمناصرة الشعوب المستضعفة والدفاع عن حقوق الإنسان. الفئتان الأُوْلَيان؛ وأعني أصحاب الأجندة الإسلاموية واليساروية، يتخذون من التظاهر بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين ذريعةً للمناورة السياسية لخدمة أجندتهم الحزبية في الصراع السياسي الدائر حاليًا في الساحة السياسية السودانية. فالإمام الصادق المهدي اختار أن يركب في هذه القضية على سرج الإسلامويين. السبب، أنه مشدودٌ للجذر الديني لطائفة الأنصار وللارتباط العضوي لمشروعه السياسي بهذا الجذر، ولرؤيته لذاته كـ “مُخَلِّص” وصاحب رسالة “إسلامية”، ديني/سياسية. هذا في حين يقف ابن عمه، السيد، مبارك الفاضل المهدي، منه في موضوع التطبيع، على طرف النقيض تمامًا. أما أهل اليسار الماركسي واليسار العروبي فيعتقدون أن إعادة إحياء الخط الناصري الصدامي الذي قضى نحبه منذ عقود، يتيح لهما لف الجماهير حول أجندتهم السياسية الراهنة. وهذه قراءة خاطئة تغفل التحولات في الوعي الجماهيري التي جرت في العقود الثلاثة الأخيرة. كما تهمل، أيضًا، التغيرات التي جرت للسياسات العربية، بما في ذلك الموقف الفلسطيني، منذ اتفاقية أوسلو. أما الذين يرفعون راية الدفاع عن الشعوب المستضعفة، فإنهم يزايدون بموقفٍ تركه الفلسطينيون، أهل القضية أنفسهم.
كانت حكومة الإسلامويين الإنقاذية في طريقها إلى التطبيع مع إسرائيل (راجعوا تصريحات وزير خارجية الإنقاذ، إبراهيم غندور – “الراكوبة” 16/1/2016). لذلك، فإن موقف الإسلامويين ليس مبدئيًا، وإنما هو موقف منفعة. فهم مع التطبيع إن أسهم في إطالة مدة حكمهم، وضده إن قام به خصومهم السياسيون. يريد الإسلامويون، حاليًّا، أن يستمر خنق المواطنين بالندرة عبر بقاء العقوبات في مكانها، ومن ثم، إحجام من في وسعهم تقديم العون للسودان من قوى المجتمع الدولي والإقليمي، عن تقديم أي عون للسودان، في هذه الفترة بالغة الحرج. فيثور الشعب على حكومته الانتقالية ويتحقق إجهاض الثورة.
أما التذرع بأن القرار ينبغي أن يصدر من حكومة منتخبة فهو تَذَرُّعٌ واه. فمجلس الوزراء والمجلس السيادي، مُجتَمِعَيْن، ظلا يقومان بمهمة التشريع في غياب المجلس التشريعي، ولم يعترض على ذلك أحد. فلماذا جاء الاعتراض حين دخل الأمر حوش السياسة الخارجية؟ لقد نصت الوثيقة الدستورية في بابها الثاني – “مهام الفترة الانتقالية”، على: “وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها”. فالقول بأن قرار التطبيع لابد أن يأتي من حكومة منتخبة، مجرد تَمَحُّك لا أكثر.
لقد خرقت قوى المواجهة مع إسرائيل مقررات مؤتمر الخرطوم ولاءاته الثلاث. فقد طبَّعت مصر وطبَّعت الأردن وطبَّع الفلسطينيون، واعترفوا بدولة إسرائيل، بل أصبحوا ينسقون معها أمنيا. فما الذي يجعل قطرًا كالسودان، يبعد آلاف الكيلومترات من إسرائيل، رافضًا للاعتراف بإسرائيل؟ ومن قال إن التطبيع يمنع انتقاد السياسات الإسرائيلية الخاطئة؟ فالعالم ينتقد الصين لتجاوزاتها ضد المسلمين الإيغور، وينتقد ماينمار لتجاوزاتها ضد أقلية الروهينقا، وينتقد السودان للتطهير العرقي الذي ظل يجري في دارفور لخمسة عشر عامًا. فهل اقتضى ذلك قطع العلاقات مع الصين وميانمار والسودان؟ وتحتل مصر إقليم حلايب السوداني منذ ربع قرن فهل قطعنا علاقتنا مع مصر بسبب ذلك؟ إن الغرض السياسي يقود كثيرًا من القوى السياسية لدينا للاتجار المتهافت بالخطاب الشعبوي لخدمة الأجندة الحزبية الآنية. إن الانفلات السوداني من قبضة الخطاب العروبي التالف، يعيد السودان لطبيعته الشرق إفريقية ولخصوصيته وهويته المضيعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.