البصيرة أم حمد

0 133
كتب: كمال كرار
.
في سالف العصر والأوان هرع ناس الحلة لل (البصيرة أم حمد) يسألونها عن حل مشكلة العجل الذي أدخل رأسه في (برمة) ليشرب شيئا ثم استعصى عليه الخروج،فقالت لهم أولاً نذبح العجل،فذبحوه..ثم قالت أكسروا البرمة لتخرجوا الرأس ..ففعلوا وخسروا العجل والبرمة بناء على النصيحة المضروبة ..
ومما فهمنا من الدكتور حريكة وهو المستشار الاقتصادي للسيد رئيس الوزراء أن دعم البنزين والجازولين هو أساس مشكلة الاقتصاد،وأن الغني الذي يمتطي (الهمر)،إن دفع 5 ألف نظير ملء التنك،فإن هذه المبالغ سيعاد توظيفها لأجل الفقراء ..ومما فهمنا منه أيضا أن تقوية سعر صرف الجنيه أمام الدولار (كما حدث على أيام نيفاشا) تهزم الصادرات وتفاقم عجز الميزان التجاري ..
دعونا الآن لا نتحدث عن وجود الدعم أو عدمه،فتلك رواية أخرى،ولكن ومنذ العام 2008 وعندما كان جالون البنزين ب 8 ونص جنيه،رفعت الأسعار مرارا وتكرارا حتى وصل هذا الجالون إلي 128 جنيه (بنسبة زيادة بلغت 1500%)،بنفس الحجة ..فماذا كان نصيب المواطن؟ لا شئ غير المزيد من الشقاء ..
والذين يريدون تمويل الموازنة من البنزين والجازولين يفوت عليهم أن المحروقات هي التي تحرك عجلة الاقتصاد،وأن الأثر المباشر لرفع الأسعار هو ازدياد تكاليف الإنتاج عموما،وازدياد كلفة المعيشة،وتدني الأجور الحقيقية،فتنعدم تنافسية المنتجات المحلية أمام المستوردة،وتنهزم الصناعة المحلية،وترتفع أسعار الواردات،فيزداد معدل التضخم،والأرقام القياسية للمستهلك،وتصبح الحياة جحيما لا يطاق..والمستفيد الأول مافيا الإستيراد وتجار العملة.والمضاربون والسماسرة ..
وينتج عن هذا الوضع تدهور الجنيه أمام الدولار بحكم زيادة الطلب عليه،وتدور الدائرة على الموازنة نفسها فيزداد العجز،ويقال مرة أخرى أن المطلوب رفع الدعم،ولا تعالج أسباب تدهور سعر الصرف ..
ونظرية البحث عن سعر واقعي للجنيه،كما يتبناها تلاميذ البنك الدولي،تعني التعويم المستمر والخفض المتعمد لقيمته حتى صار (ورقة ساكت)،فيستفيد المتعاملون بالدولار،والموردون الذين يحاسبون الدولة الآن بسعر السوق الأسود ..وتستفيد الرأسمالية العالمية التي تحصل على مواد خام رخيصة الثمن ..
هذا النوع من السياسة جريمة في حق الثورة والاقتصاد الوطني ..
المشهد الحالي المأزوم في الاقتصاد هو النتيجة الحتمية لهيمنة السماسرة والطفيلية على الاقتصاد،وهم الذين دفعوا الدولة إلي الخروج من التجارة الخارجية،ومن التدخل في قطاع الذهب،فنضبت خزائن البنك المركزي من الدولار..ولجأ الجميع لبرندات السوق العربي والنتيجة الدولار اليوم 230 جنيه وغدا 250 وبنهاية العام إن ظل الحال على ما هو عليه فسيتجاوز حاجز ال400 جنيه …وقس على ذلك صحن الفول وكيلو السكر ورطل الزيت …
وإلى الذين لا زالوا يستهترون بحياة الناس،ويتشدقون بالوعيد والتهديد على شاكلة (الدواء المر والجراحة الصعبة)،ويعنون بها تسويد حياة الناس الآن،وتخديرهم بالمستقبل الزاهي (يوم القيامة العصر)،نقول لهم إن الثورة السودانية صنعت نظرية سودانية إسمها(الحل في البل)..ترونه بعيدا ونراه قريبا ..وأي كوز مالو ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.