الحاجة تفتح أبواب الحيلة..!
بصراحة.. هذا ليس الوقت المناسب لتعلية أي اعتبارات إيديولوجية في موضوع الاقتصاد السوداني (وعلى الله التكلان).. فنحن في حالة متأخرة وفي مرحلة حرجة من مساعي إنقاذ الاقتصاد بكل ما يتيسّر في الدنيا من (الدواء المُر) حيث نجده.. فاقتصادنا في نقطة تقترب من الصفر الذي ورثته البلاد من الإنقاذ (الصفر الأكبر) في معادلات الدنيا والبشر؛ فقد تركت الإنقاذ بلادنا خاوية على عروشها من أي أساس اقتصادي.. وهم جماعة كما عرفهم السودانيون لا يمكن أن يتركوا (مليناً أحمر) في الخزينة العامة أو المدخرات الوطنية أو العملة الصعبة ولا يقووا على (حبس ريالتهم) حتى من عائد الدرداقات ورسوم فرّاشات برندات الدكاكين و(فول الحاجات)..!!
في هذا الوضع الذي نحن فيه.. لا معنى للحديث عن (لن يحكمنا البنك الدولي) فنحن في حالة لتلقي كل ما يمكن تلقيه من أركان الدنيا الأربعة بإنسها وشياطينها..وبذل كل التضحيات من أجل تلافي الأسوأ.. وبطبيعة الحال لا يعني هذا التنازل عن السيادة الوطنية..ولكن ليس بالمعاني المجنّحة القديمة..فنحن الآن في (عالم معولم) لا يمكن الخروج بالمُطلق عن تشابكاته وضروراته وقواعده..كما لا بد في الاقتصاد والاستدانة والقروض من شروط بين الدولة المانحة والدولة المُتلقية كما يحدث بين تعاملات الأفراد و(إيجارات البيوت)..ولا مناص أن للدول والمؤسسات والبيوتات المالية (مصالح وفوائد واشتراطات) يحرص عليها كل جانب..وإذا كنت غريقاً مُشرفاً على الهلاك فلا يمكنك أن تنظر إلى وجه من يمد لك الحبل لتتعرّف عليه.. أو أن ترفض الإمساك بحبل النجاة لأنك (لا تستلطف صاحبه)..!!
نحن نقول هذا الكلام ونرجو أن يُفهم في سياقه.. فنحن لسنا من أنصار الاستخذاء والركوع أمام رغبات الآخرين أو التهاون في الكرامة الوطنية.. ولكنها دنيا الاقتصاد وشروطها وتعاملاتها.. ولا دولة في وسعها أن تنكفئ وتعزل نفسها عن العالم وتضرب حولها سوراً في باطنه الرحمة ومن دونه العذاب..! وهناك نماذج كثيرة للدول التي جمعت في بعض مراحل نهضتها بين الاستدانة وتلقي المعونات والمنح والقروض بشروطها المالية ثم نهضت من تحت الرماد وزاحمت المانحين ..ويمكن أن نواجه مشقة كبيرة في شروط (رفع الدعم) على سبيل المثال ولكن ذلك لا يعني إننا سنكون من أنصار الرأسمالية المتوحّشة و(الامبريالية الكمبرادوية) أو بين الداعين إلى قبول الأمرَكة أو (الهيمنة السكسونية)..فقد حدثت تحوّلات كبرى ضربت الدنيا وغيّرت أدوات الصراع بين العالم الاشتراكي والعالم الرأسمالي.. ولنأخذ المثال من الصين التي لا يمكن اتهامها بأنها تذعن للامبريالية والتبعية.. والأرقام تقول إن السوق الأمريكي هو أكبر سوق تتعامل فيه الصين، كما أن 20.8% من صكوك الخزانة الأمريكية مملوكة للصين وهذا ما يجعل من بكين أكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية..!
إنني أدعو إلى تخفيف (النغمة الإيديولوجية) بتأمل الواقع الذي نحن فيه..والمثل يقول من يحتاج إلى النار يلتقطها بيده..! ولو كان الوطن في أي درجة من الحالات الدنيا من الاكتفاء الذاتي أو العافية الاقتصادية (نص نص) والأقل من المتوسط.. لما التفتت العيون نحو الصناديق والمؤسسات المالية الدولية والديون التي تثقل الظهر وتسوّد الوجه.. ولكن هذا هو واقعنا وواقع العالم الذي نعيش فيه.. ولو كان البنك الدولي أو صندوق النقد يقدم الدين للأفراد لطلبت منه سلفية بشروطها وفوائدها المركبة وأنا على يقين لو تمت الموافقة على طلبي بأنني لن أضع على رأسي صباح اليوم التالي (برنيطة خواجية تكساسية) ولبقيت على حالي أرتدي نعال من (قطع الفاشر) وأستمع إلى مديح حاج الماحي وحاج العاقب وود حليب ..!