الحراك المضاد للثورة
كتب: د. النور حمد
نبهني أحد الأصدقاء قبل بضعة أيام، إلى أن عبارة “الثورة المضادة”، تحمل في أحشائها تناقضًا. فالفعل المضاد للثورة، لا يمكن أن يوصف، هو الآخر، بأنه ثورة. ولأن ملاحظته هذه، راقت لي، فقد جعلت عنوان هذه المقالة، “الحراك المضاد للثورة”، وليس “الثورة المضادة”. الحراك المضاد للثورة، فعلٌ ملازمٌ لكل ثورة. فما من ثورةٍ في التاريخ، إلا وكان هناك حراكٌ مضادٌ لها. فالثورة، في جملة الأمر، تريد أن تجعل الناس شركاء في سلطة القرار، ومن ثم شركاء في الثروة. والوضع الذي تتفجر الثورة ضده، لهو الوضع الذي سلب الناس سلطة القرار. ومن ثم، حصر الثروة في الممسكين بمفاصل السلطة، إضافة إلى داعميهم، الذين يقفون في صفهم. لكن، من المهم، جدًا، أن نتبين أنه لا يوجد دائمًا خطٌ فاصلٌ، واضحٌ مئة في المئة، بين الثورة وبين معارضي الثورة. فهناك منطقةٌ رماديةٌ يمكن أن يصبح فيها البعض داعمين للثورة، ومعارضين لها، في نفس الوقت. فعندما يصبح التحول قدرًا لا فكاك منه، ينضم إلى ركبه نفرٌ من غير المؤمنين به، لإيجاد مكانٍ لهم في الحالة الجديدة.
عمومًا، ليس كل من يقف مع الثورة، هو بالضرورة مؤمنٌ إيمانًا، قاطعًا، بأهدافها. فكما يلتصق الانتهازيون بالنظام الفاسد، الذي قامت عليه الثورة، يلتصقون أيضًا بالثورة. لا من أجل نصرة أهدافها، كما هي في أذهان الجماهير الثائرة، وإنما لإعادة موضعة منظومة مصالحهم، في إطار النظام الذي سيولد. وربما تجهر مثل هه الفئة بدعم الثورة، في حين تحتفظ بخطوط للتواصل، عبر الأبواب الخلفية، مع القوى التي تريد أن تجهض الثورة، وتحول بينها وبين تحقيق أهدافها. ودعونا ننظر إلى الطريقة التي تكونت بها ما سُمِّيت “قوى الحرية والتغيير”، وكيف أنها تنازعت أمرها فيما بينها، حتى أصبحت، إلى حدٍّ كبيرٍ، عقدًا منتثرًا بلا خيطٍ ناظمٍ، يربط بين حباته.
لابد لأي ثورةٍ من نخبةٍ تقودها. لكن، من الغفلة بمكان أن نظن أن أهداف الثورة، كما هي في خيال الجماهير، وتطلعاتها، تكون مطابقةً، بالضرورة، لما في خيال النخب، وتطلعاتها. فالثورة سيرورة تنمو من داخل ذاتها، لتصحح أوضاعها، كل حينٍ، وهي تسير نحو أهدافها. وليس هناك ثورة مثَّلت حدثًا حاسمًا، أنجز كل شيءٍ، في ضربة واحدة. وإنما الثورة سيرورة تنداح على مدى زمني، قد يطول، وقد يقصر. تدخل الثورة في جدل مع الواقع المحيط بها، وهي تسير نحو أهدافها، فيشحذ هذا الجدل أدواتها، ويصحح مسارها، ويوفر لها فرصًا لمراقبة النخب القائدة، ومحاسبتها، وربما يقتضي أحيانًا تغييرها، كليا. لذلك، من الضروري ألا ينحصر التفكير والجهد، في إفشال مخططات الحراك المضاد للثورة، فقط. وإنما أيضًا في محاصرة النخب التي تقود الثورة لكيلا تتقارب، بقصدٍ، أو بغفلةٍ، مع خطط الحراك المضاد للثورة، الظاهر منها، والمستتر.