الحرب في السودان تقترب من الحرب الأهلية

0 3٬258

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم:
وجه الجيش السوداني نداء للمتقاعدين العسكريين من ضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأميناً لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم والعمل وفق خطط المناطق التي يدور فيها الصراع.
تحليل
– يأتي نداء الجيش للمتقاعدين والمواطنين القادرين على حمل السلاح في الأسبوع السادس للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اندلعت في 16 ابريل بالخرطوم وعدد من ولايات السودان وذلك بعد فشله في استرداد المواقع الحيوية التي فقدها مع بداية القتال. يعني اعلان التعبئة العامة واستدعاء كل القادرين على القتال
– بهذا النداء الذي يستهدف فئات محددة من الشعب ، تدخل المعركة طورا جديدا وتتحول من صراع محدود بين طرفين الى صراع أهلي شامل علي أساس الهوية والجغرافيا , فالتسليح وفق خطاب الجيش التعبوي سيكون حصريا لقبائل الوسط والشمال النيلي أو ما يعرف في أدبيات الحركة الإسلامية “بمثلث حمدي” ويستثني القبائل العربية المتواجدة في الغرب “دارفور وكردفان “, الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع والتي تمثل الجذر الاثني لمعظم مقاتليه , إضافة للمكون الزنجي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق الذي تمرد على النخبة المسيطرة وعلى امتيازات دولة 1956 , مما يجعل التسليح مقصور علي فئة ومجموعات محددة بما يتسق تماما مع استراتيجية النظام السابق بقيادة “المؤتمر الوطني” .
– هذه الاستراتيجية تخدم أيضا مخططهم المتعلق بالقضاء على النفوذ العسكري والاقتصادي والسياسي للدعم السريع من خلال صناعة الفوضى بعد عجزهم من الانتصار عليه في الحرب المباشرة، لهذا يبد التصعيد الشامل مقدمة لاستدراج وضع السودان تحت ولاية الأمم المتحدة وفق الفصل السابع، بوهم عودتهم لاحقا للحكم.
– قرار اعلان التعبئة العامة وتسليح المدنيين جاء بعد أن فرغت عناصر النظام القديم وميليشياته من الحشد السياسي في الأقاليم المعنية بقرار التسليح “ولاية نهر النيل والجزيرة والشمالية وكسلا والشرق” وتوزيعها للسلاح في بعض المناطق السكنية بالخرطوم وفق تقارير تشير لقيام الإسلاميين بتسليح عناصرهم.
– كما يأتي قرار التعبئة العامة الشاملة بعد عدة قرارات سيادية هدفت ، تهيئة الأوضاع للقرار وذلك بتعيين مالك عقار من “النيل الأزرق” نائبا للرئيس والفريق شمس الدين الكباشي “من جنوب كردفان-نوبة” نائبا للقائد العام بما يوحي بشراكة اجتماعية سياسية داعمة لنجاح الاستراتيجية في رمزية تضليلية لقومية الدولة.
– استراتيجية الجيش القتالية الجديدة ضد الدعم السريع، والمبنية علي حرب الهويات الاثنية، تتزامن مع فشل جميع مبادرات وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية التي اطلقتها عدة جهات، بما فيها اتفاقية وقف اطلاق النار قصير الأمد في جدة، الذي يدخل مرحلته الثانية للتمديد , ووسط ارتفاع شدة المواجهة بين الطرفين وضعف اليات المراقبة. ويواجه منبر جدة تحد كبير منذ بدايته، وعدم قدرة طرفا الاتفاق على الوفاء بالتزاماتهم لأسباب تتعلق بتعدد دوائر القرار والرغبة في الحسم العسكري للصراع.
الخلاصة
نجاح او فشل مخطط الجيش مرهون بقدرة الوسطاء الإقليميين والدوليين على فرض وقف إطلاق النار وحمايته من الانهيار، واستعداد القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني للتصدي للمخطط ودفع الشارع السوداني لمقاومته وافشاله وذلك بتشكيل أوسع جبهة شعبية ضد الحرب. حتى الان يبدو هذا الهدف بعيد المنال، ويوما بعد يوم يأخذ الصراع بعدا اثنيا وجهويا. وفي ظل بيئة أمنية هشة، وانقسام حاد على أساس هوياتي اجتماعي تعود معه كل أسس ومسوغات الحروب الاهلية السابقة، كناظم للحرب الجديدة باعتبارها حربا بين المركز النيلي وكل مناطق الهامش رغم كل محاولات تزييف الصورة بالديكورات التي الحقت بالنظام كتكرار لسياسات نظام البشير طيلة سنوات حكمه. باستمرار الحرب والخراب المرافق، ستبدأ انحيازات جديدة لطرفي الصراع، على أسس غير التي عهدناها، فلا المركز يستمر مركزا للدولة واساس وحدتها، ولا الحياد الذي ميز مواقف القوى المسلحة والأحزاب السياسية حتى الان يمكنه الاستمرار طويلا ، ومن باب توسع الحرب الاهلية ،تتوفر الفرص الذهبية لتدخلات خارجية تساهم في اطالتها ، بعد ان بات السودان على تقاطع مع صراعات دولية ، بحيث يصير التقسيم حلا وحيدا لحرب طالت وتجد جذورها منذ الاستقلال في 1956 الى يومنا هذا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.