السياحة المورد المهمل (6)

0 116
كتب: د. النور حمد
.
تواجه الفترة الانتقالية الحالية التي يُفترض أن تراجع كل ما أحدثه نظام الانقاذ من تردي، العديد من التحديات، من بينها التراجع المريع، في الجذب السياحي، بسبب سياسات التطرف الديني التي أدخلت البلاد في عزلة مطبقة لثلاث عقود. يضاف إلى ذلك، التخطيط للدفع بصناعة السياحة قدما. لقد حولت الإنقاذ السودان من قطر حر منفتح إلى ثكنة داعشية عبر التأثير الضار على عقول البسطاء. ومن يراقب الحملة الإعلامية المنظمة التي تديرها ذيول النظام المدحور، هذه الأيام من عديد المواقع على الشبكة العنكبوتية، بهدف إرباك الفترة الانتقالية وإفشالها، يلحظ استخدامًا مكثفًا للخطابٍ الدينيٍّ السطحيٍّ المخاتلٍ، المنسوجٍ من قيم البداوة المنقرضة. هذا الخطاب كان هو الرافعة التي أوصلت الحركة الإسلامية إلى دست الحكم عبر مسار طويل امتد منذ ستينات القرن الماضي. ولأن الخطاب الديني الذي استخدم كان غوغائيًا شعبويًا، لم تكن مفاجأةً لي، ولا لكثيرين النهاية المحزنة التي انتهى إليها ما سمي “المشروع الحضاري”. فقد عادت الأمور، بعد أن فقدنا ثلاثين عامًا عزيزة، إلى أصلها الأصيل الذي انطلقت منه. وانتهى، كل شيء، إلى “همبتةٍ” بدويةٍ قُحة، وأصبح الدين مجرد أداة استبدادية قمعية لحماية تلك “الهمبتة”.
تحاول مواقع ذيول النظام الآن استخدام نفس الخطاب المتخلف الذي سبق أن جاءوا به إلى السلطة. من ذلك، وصم الفترة الانتقالية بالعلمانية، وبالشيوعية والبعثية، وبأنها فتحت الباب على مصراعيه للتفسخ والانحلال. هذا في حين أنهم يعلمون أن التفسخ والانحلال ظواهر عرضية، جانبية، لا يخلو منها مجتمعٌ من المجتمعات؛ مسلمًا كان أو غير مسلم. يستدعي خطاب الفلول النعرات البدوية الانغلاقية المعادية للتحديث، ويستجدي تعاطفها ويستنفرها ضد التقدم ليعيق جهود اللحاق بركب الأمم الناهضة. وآخر النماذج الفجة، مما شهدناه مؤخرًا، في هذه الحملة الرجعية، الاعتراض على اختيار امرأة واليةً للولاية الشمالية، وأخرى لنهر النيل. وقد بلغت السماجة بشاعر نهر النيل أن قال إن قبولهم بأن تحكمهم “إنتاية”، على حد قوله، أشنع في حقهم من أن يصلُّوا الجمعة في “الإنداية”. هذا هو نتاج تكريس القيم الذكورية البدوية الجاهلية التي تتدثر بدثار الدين المزيف التي ظل الخطاب الديني الإنقاذي الزائف يروج لها عبر أئمة المساجد والإعلام المأجور. والآن، لكي يعود السودان مزارًا سياحيًا، مثله مثل غيره من دول الجوار، لا مناص من دحر هذا الخطاب المتخلف.
دخل السودان نطاق التحديث بالغزو البريطاني الخديوي في عام 1898. ولقد بقي جزءًا لا يتجزأ من النسيج الكوكبي، حتى صدور قوانين سبتمبر 1983. كانت بنيته السياحية طيلة تلك الفترة، على تخلفها، تستقبل الكثير من السياح الذين يفدون في موسم الشتاء، بصورة متكررة. وقد كانت حظيرة الدندر، وآثار مروي ونبتة، وحوانيت الأناتيك والأشغال اليدوية في سوق أمدرمان مزارات سياحية مرموقة. وكان الشعب يستقبل السياح بحفاوة، دون أدنى انزعاج بزيهم أو أسلوب حياتهم. لقد سمعنا مراتٍ ومرات السياح وهم يتحدثون عن إعجابهم الشديد بالسودان وبالإنسان السوداني، وأنهم لم يروا عبر تجوالهم في إفريقيا شعبًا شبيهًا بشعب السودان؛ في الود والصدق والحفاوة والاستعداد لتقديم العون. الشاهد أن لدينا رأسمال عيني وبشري ممتاز، وبلاد غنية بكل ما يمكن أن يتجذب الأجنبي. لقد جرى تخريبٌ كبيرٌ لهذا الرأسمال الكبير، غير أن استنقاذه ممكن بقليل من الاهتمام والجهد الذي يضع القواعد الصحيحة لدمج البلاد في المجتمع الدولي.
(يتواصل).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.