السياحة المورد المُهمَل (11)

0 91
كتب: د. النور حمد
.
يفضل كثير من السودانيين المتزوجين حديثًا قضاء شهر العسل بعيدًا عن بيت الأسرة، ومنزل الزوجية. يذهب كثيرٌ من هؤلاء إلى دول الجوار؛ كإريتريا وإثيوبيا ومصر. في حين يذهب من يملكون قدرات مالية أكبر إلى بلدان؛ كماليزيا وتركيا وبعض الدول الأوروبية، وغيرها من دول العالم. لكن تذهب الغالبية إلى مدن سودانية. للك، فإن تقليد شهر العسل الآخذ في التوسع يحتاج إلى دراسة تخرج منه بقواعد بيانات، خاصة أن نشاط شهر العسل يستمر على مدار العام. وجود قاعدة بيانات دقيقة لحجمه تعين ووجود دراسات جدوى مما يغري القطاع الخاص بالانخراط في الاستثمار في هذا المجال. فرأس المال لا يغامر، وإنما يفضل اللعب على المضمون، وإنفاق المال بناءً على دراسات علمية تطمئنه على مردوده الربحي. لذلك، فإن إنشاء وزارة للسياحة والآثار، منفصلة، أمرٌ ضروري للغاية. فهي ستكون الجهة المنوط بها إجراء البحوث والدراسات وتصميم الخطط والبرامج وتقديم دراسات الجدوى والتوقعات العلمية للمردود الربحي للاستثمار في هذا القطاع. يضاف إلى ذلك تطلع هذه الوزارة بإيجاد أمثل السبل لإدارة مورد الآثار وتنميته والحفاظ عليه، واستعادة ما سُرق من كنوزه.
هناك أيضًا ما أضحت تسمى “السياحة العلاجية”، وقد اشتهرت بها تايلاند. كما أضحت المكسيك المجاورة للولايات المتحدة، مزارًا للسياحة العلاجية بالنسبة للأمريكيين، بسبب ارتفاع كلفة العلاج داخل أمريكا. أما في نطاقنا الإقليمي، فتمثل مصر والأردن جهتين جاذبتين للسياحة العلاجية، خاصة بالنسبة لنا نحن السودانيين. ويمكنني أن أجزم أن مصر والأردن لا تملكان كوادر طبية أكثر تأهيلاً مما يملك السودان. غير أن الكوادر السودانية اجتذبتها المهاجر بسبب سوء بيئة العمل في الداخل، وسوء الأوضاع السياسية بصورة عامة. كما أن في الداخل كوادر عالية التأهيل، لكنها لا تجد بيئة العمل المعينة. الشاهد أن تردي المرافق الصحية السودانية على مدى الخمسين سنة الماضية ونيف، أسهم في خلق سمعة مضخمة جدًا وسطنا لتقدم الطب في مصر والأردن.
ضمن كارثة التمكين، اتجه نظام الإنقاذ إلى خصخصة المرافق الطبية، ولم يهتم بالكيف بقدر ما اهتم بتمليك منسوبيه مرافق طبية تجعلهم أثرياء. فأصبحت مراكمة الأرباح تجري على حساب تطوير البنية التحتية وعلى حساب جودة الخدمات كذلك. وعمومًا، لا يمكن لمرافقنا الطبية الخاصة، بصورتها الراهنة، أن تصبح جاذبةً للسياحة العلاجية. بل، ولا حتى قادرةً على أن تجعل السودانيين يوقفون السفر إلى الخارج للعلاج. تستنزف هذه الهجرة المحمومة للعلاج في الخارج، العملة الحرة السودانية، بمقادير مهولة، وهي بحاجة إلى دراسة، فنحن فقط لا نعد ما يضيع منا.
أولى خطوات هذه المراجعة وجود قاعدة بينات تؤشر إلى الأعداد التي تغادر السودان سنويًا للعلاج في الخارج ومقادير الأموال التي تصرفها في الخارج للسكن والمعيشة والعلاج. هذه المعلومات هي ما سيشجع القطاع الخاص على إنشاء المشافي الحديثة خارج المدن، بنظام خدمات متكاملة تشمل فنادق ملحقة للإقامة، ونظام ترحيل من وإلى المطار. يضاف إلى ذلك رواتب منافسة وتسهيلات تغري الكوادر المهاجرة بالعودة. السودان متقدم على محيطه الإقليمي في المجال الطبي، ويمكن أن يصبح قبلة علاجية للطبقات الصاعدة في دول الحزام السوداني الممتد من البحر الأحمر إلى عمق جنوب الصحراء الكبرى غربا. ومعلوم أن السياحة العلاجية تحمل في طياتها سياحة عامة، أيضًا. عمومًا، نحن لا نرى ما بين أيدينا من فرص.
(يتواصل في الحلقة الأخيرة).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.