الـ100 ساعة الأولى…

0 79

كتب: عثمان ميرغني

.

في العُرف السياسي الأمريكي عند تنصيب الرئيس الجديد عليه أن يتقدم ببرنامج الـ100 يوم الأولى، والمقصود بهذه الفترة المحدودة القصيرة ليس قياس حجم الإنجاز بل أشبه بوضع مقياس الحرارة في جسم الإنسان لفحص صحته البدنية.

وبالضرورة لا يمكن افتراض أن يكون للرئيس برنامج لهذه الفترة الضيقة إلا إذا كان له برنامج لكامل الدورة الرئاسية، وتمثل الـ100 يوم الأولى رأس الخيط الذي يقود إليه، والبوصلة التي تشير إلى الطريق.

وفي السودان تعد عودة الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء لرئاسة الحكومة التنفيذية أقرب إلى تنصيب جديد عطفًا على الفشل الذي لازم دورته الأولى، فهو وضع أشبه بالوقت الإضافي الذي يُمنح لمباراة لم تحسم الـ90 دقيقة نتيجتها. ولأن المدة المتاحة لـ“حمدوك“ حتى نهاية الفترة الانتقالية قصيرة للغاية، فمن الحكمة سبر غور البداية الجديدة بجس نبض الـ100 ساعة الأولى بدلًا من الـ 100 ”اليوم“ الأولى كما هو الحال في المثال الأمريكي.

وخلال الـ100 ساعة الأولى بعد توقيع الاتفاق السياسي بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالي، أجرى حمدوك 5 حوارات مع فضائيات سودانية، وعربية، وأمريكية، تكاد تكون نفس الأسئلة بالإجابات ذاتها، وأصدر (توجيهًا) واحدًا للأجهزة الاتحادية والولائية بوقف تعيين وفصل موظفي الحكومة، مع مراجعة ما تم منها خلال الفترة بعد 25 أكتوبر 2021.

وبقياس الـ100 ساعة الأولى لـ“حمدوك“ بعد عودته لا تبدو مؤشرات المرحلة المتبقية من الفترة الانتقالية مُبَشِرة، فالمهام المطلوبة وبصورة عاجلة كبيرة، وتتطلب مجهودًا وقرارات مسنودة بإرادة سياسية قوية.

وأولى هذه المهام، استكمال مؤسسات الدولة السودانية، وهي بالتحديد: المجلس التشريعي ”البرلمان“، ومجلس القضاء العالي، ومجلس النيابة الأعلى، والمحكمة الدستورية، والمفوضيات خاصة التي لها حساسية شعبية عالية مثل مفوضية العدالة الانتقالية.

وتكوين هذه المؤسسات – خاصة المجلس التشريعي – فيه كثير من التفاصيل المُنهكة والمستهلكة للزمن، ومع ذلك فإن تأسيسها هو مجرد ”ضربة البداية“، لأن المحك فيما تؤديه من أعمال بعد تكوينها، فالمجلس التشريعي مثلًا، علاوة على مهامه الرقابية على أداء الجهاز التنفيذي مطالب، وبصورة عاجلة، بصياغة تشريعات مهمة وحتمية مثل قانون الانتخابات ثم مشروع الدستور.

وكل هذه المهام العاجلة هي حِمل إضافي على أعباء الحكومة الاقتصادية في ظل وضع أقرب إلى الانهيار، ومطالب عاجلة لتخفيف وطأة الارتفاع غير المسبوق للأسعار التي باتت أغلب مستويات المجتمع السوداني غير قادرة على احتمالها.

والمجتمع الإقليمي والدولي راغب بمساعدة السودان على اجتياز هذه الفترة الحساسة من تاريخ السودان، لكن ”ما حك جلدك مثل ظفرك“ مهما كان العون الخارجي إن لم يقابله أداء تنفيذي وسياسي جاد داخليًا فمن الصعوبة انتظار نتائج سعيدة.

ولم يظهر خلال الـ100 ساعة الأولى من الشوط الإضافي لحكومة ”حمدوك“ أنها استوعبت حساسية الزمن مقابل المهام، بل يبدو المشهد الآن مسترخيًا وأقرب إلى تصوير الشاعر إبراهيم ناجي ( لك إبطاء المُذل المنعم)، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، ستكون معجزة أن تنتهي الفترة الانتقالية بحفل وداع بقاعة الصداقة في الخرطوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.