المؤتمر الوطني المحلول يعقد اجتماعه الأول ويصدر بيانًا بشأن تطورات الاوضاع في البلاد

0 48

الخرطوم ــ السودان نت

 

أصدر حزب المؤتمر الوطني المحلول، السبت بيانًا بشأن إنعقاد اجتماعه الأول له منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عشيّة العاشر من نيسان/أبريل عام 2019.

وكانت السلطات الانتقالية في السودان قد أقرت قانونا يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني (حزب الرئيس المخلوع عمر البشير) الذي حكم البلاد لنحو 30 عاما، ومصادرة ممتلكات وأصول الحزب لصالح الحكومة فضلًا عن منع القانون رموز النظام السابق والحزب من ممارسة العمل السياسي .

وأشار الحزب المحلول في بيان له بأن الاجتماع عقد بحضور مئات الاعضاء من العاصمة الخرطوم والولايات رجالا ونساء على نحو مستوف لكامل مطلوبات الانعقاد كما شهد الاجتماع عدد من كوادر الحزب بصفة مراقب.

نص البيان :
1- في هذا اليوم السبت 17 شوال 1442 الموافق 29 مايو 2021 عقد مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني اجتماعه الأول منذ انقلاب 11 أبريل 2019.
2- ورغم حل الحزب وحظره دون قرار قضائي وانكار حقه القانوني في التنظيم والتجمع دون مسوغ قانوني، وما يستتبع ذلك من ملاحقة وتضييق، ورغم تعذر مشاركة عدد من الاعضاء اما بسبب تغييبهم في المعتقلات دون جريرة او لاضطرارهم مغادرة البلاد للمنافي، تقاطر الى الاجتماع من العاصمة والولايات مئات الاعضاء رجالا ونساء بما مكن من عقد هذا الاجتماع على نحو مستوف لكامل مطلوبات الانعقاد. كما شهد الاجتماع عدد من كوادر الحزب بصفة مراقب.
3- بدأ الاجتماع بالترحم على من توفوا من قيادات الحزب وعضوية مجلس الشورى وخاصة من قضوا تحت ظروف السجن ظلما بالحرمان من العلاج وعلى رأسهم الزبير أحمد الحسن أمين عام الحركة الإسلامية عضو المكتب القيادي للحزب والشريف أحمد عمر بدر والدكتور عبدالله حسن البشير الذي لم يفرج عنه رغم تقديمه الكفالة المطلوبة قانونا ولم تعلن براءته الا بعد وفاته.
4- . ثم حيا الاجتماع قيادات المؤتمر الوطني بالمعتقلات وعلى رأسهم رئيس الجمهورية رئيس الحزب المشير عمر حسن أحمد البشير ونواب رئيس الحزب وقياداته. اذ مضت سنتان وهم أسرى دون ان يواجه اغلبهم اي محاكمات بل في بعض الاحيان دون تقديم اتهامات في ظل سياسة معلنة هي “ان الافضل دفع الثمن السياسي لحبسهم بدلا من تقديمهم لمحاكم تبرؤهم او تصدر احكاما خفيفة بحقهم”. وهاهي الادعاءات الكذوب بفسادهم تتهاوى بعد سنتين ملك فيهن من سطوا على السلطة كل ارشيف الدولة ووثائقها وسيطروا فيهن على النيابة والقضاء وفشلوا بعد ذلك في تقديم ادلة الادانة ضدهم. ولو كان قد ثبت امام قضاء نزيه ان اي منهم قد ارتكب جرما لما حازبناه في باطل.
5- وحيا المؤتمرون قادة الاحزاب الاسلامية الاخرى المعتقلين ظلما او المنفيين وعلى رأسهم قيادات المؤتمر الشعبي والتغيير والاصلاح وحزب دولة القانون والتنمية. كما حيوا صمود شباب الاسلاميين على مختلف مشاربهم وخصوا منهم بالذكر من استشهدوا في احتفال ذكرى بدر وغيرها من المشاهد وحيوا الاسرى ومنهم معمر موسى الذي سجن دون تهمة لما يقارب العام. كما ترحموا على الفقيد المهندس الطيب مصطفى رئيس حزب السلام العادل الذي عرف بقوة الشكيمة وصدق اللهجة في التصدي “لبني علمان” وكشف مخازيهم.
6 – كذلك حيا الاجتماع الشهداء اللذين سلفوا في هذه المسيرة القاصدة طوال العقود الماضية، والتي يظل هذا الحزب عليها حفيظا،مدنيين وعسكريين، وعلى رأسهم الفريق اول الزبير محمد صالح، سيد شهداء الانقاذ. فهم من قدموا ارواحهم الطاهرة مهرا في هذا الطريق وعبدوه بدمائهم الذكية، بل حقا من جماجمهم ارسيت زواياه. وجدد المؤتمرون العهد للشهداء على ان تكون كلمة الله هي العليا وان يظل هذا الوطن الغالي وعزه واستقلال قراره ورفاهه في حدقات العيون، بل تسترخص دونه المهج والارواح.
7- بعدها عكف الاجتماع على النظر في الوضع الدستوري الراهن الذي نتج عن انقلاب اللجنة الأمنية على الشرعية الدستورية التي اقرت بها كل القوى السياسية واجريت في ظلها سلسلة من الانتخابات التعددية المراقبة دوليا. وقد اعرب المؤتمرون عن اسفهم لتعليق الدستور القومي الانتقالي لسنة 2005 والذي حصل على اجماع وطني وصادف ترحيبا ومساندة دوليين. فبذلك القرار غير المستبصر علق دستور لم يسبق لأي من القوى السياسية ان خرجت عنه، وحظي باجماع قد لا يتأتى لدستور جديد، بل اهدرت جزافا تجربة دستورية تراكمية احوج ما تكون لها البلاد اليوم وهي تمر بهذا الظرف العصيب. ومن ثم طالب المؤتمرون باعادة العمل بدستور 2005 بأعجل ما يتيسر ليظل اساسا للشرعية الدستورية حتى اقرار الدستور الدائم. كما عبر المؤتمرون عن قلقهم بسبب التعديلات غير النظامية التي ادخلت على الوثيقة الدستورية، على ما فيها من عيوب، الامر الذي ادى الى انبهام الوثيقة نفسها والاستخفاف بقوتها المرجعية حتى من جانب صانعيها مما وضع الفترة الانتقالية كلها في مهب الريح، خاصة في ظل التغييب المتعمد للمحكمة الدستورية.
8 – ناقش المؤتمرون الوضع السياسي الراهن وما اتبع الانقلاب من سرقة لاحلام الشباب وطموحاتهم من قبل احزاب اليسار، مدعومة بالسند الاقليمي والدولي. وثمن المؤتمرون قرار الحزب الذي اتخذه مبكرا، بالرغم من كل ما تقدم، بقبول التعامل مع التغيير كأمر واقع ومساندة الحاكمين الجدد باعلان “المعارضة المساندة”، تقديرا للظرف الامني والاقتصادي للبلاد. غير انه ثبت ان الوطن ومشروعه ووحدة بنيه ما كان مما يعني قوى اليسار ومن شايعها من الليبراليين الجدد. وانما كان همهم هو اقصاء الاسلاميين توهما منهم ان المد الذي حمل اليسار الى السلطة يتيح لهم فرصة نادرة للبطش بالاسلاميين واستئصال شأفتهم. فمضى اليسار ومن معه الى حل حزب المؤتمر الوطني بمرسوم سياسي وايداع قياداته السجون دون محاكمات.
وبالرغم من ذلك التزم المؤتمر الوطني خطه المرسوم حرصا على تجنيب البلاد مصائر السوء، وتأكيدا لمبدأه في ان الصراع التاريخي بين الاسلاميين واليسار مظهر من مظاهر دفع الناس بعضهم بعضا ومن ثم لا يمكن ان يسوى الا بالحسنى داخل البيت السوداني.
9- ولايزال المؤتمر الوطني يرقب عن كثب المؤامرات التي تحاك خارج السودان ويوكل تنفيذها الى عملاء بالداخل لتضييق الخناق على الاسلاميين ودفعهم للتطرف لالصاق صفة الارهاب بهم وتهيئة الفرصة للانقضاض عليهم. وقد اهاب المؤتمرون بقواعدهم الا يلتفتوا لهذا الكيد، وألا ينجروا للفخاخ المنصوبة، وألا يستخفهم هذا الاستفزاز عن نهجهم الوسطي المتمسك بأهداب الدين، والحفيظ على سلامة الوطن واستقراره، والمتماهي مع السمت السوداني الاصيل في السماحة والاعتدال.
10- ثم ناقش المؤتمرون الاوضاع الاقتصادية للبلاد التي بلغت فيها نسبة التضخم 331%، والتي تعد النسبة الاعلى في تاريخ السودان منذ ان عرف الاقتصاد الحديث. وتباحثوا حول اسباب هذا التضخم الجامح التي عزوها، ضمن اسباب اخرى، للقرار غير المدروس بالخفض الحاد لقيمة الجنيه السوداني بنسبة بلغت نحو 582% في يوم واحد. وابدوا انزعاجهم لما تبع ذلك من انخفاض مستمر لقيمة الجنيه خاصة بعد ان ناهز سعر الدولار مؤخرا 500 جنيها. وتباحث المؤتمرون بشكل خاص في الاثار الكارثية لهذه السياسات الخرقاء على قدرة المواطنين لتلبية احتياجاتهم الضرورية. وقد عبر المؤتمرون عن اسفهم للارتفاع الجنوني لاسعار السلع الضرورية لمعاش الناس، حتى صار من غير الممكن للعديد من الاسر المتعففة ان تتحصل على ما يكفي لسد الرمق من الخبز الحاف، الامر الذي ينذر بارتفاع معدلات سوء التغذية مجددا خاصة عند الاطفال والنساء، هذا بعد ان تراجعت نسبتها بشكل ملحوظ اثناء اعوام الانقاذ. كما صاحبت ذلك ازمات طاحنة في غاز الطبخ ومضاعفة لاسعاره مما جعله يشكل عبئا اضافيا على غالبية الاسر.
11- وقد أشار المؤتمرون بشكل خاص للمعاناة الكبيرة الناتجة عن فشل الحكومة في الايفاء بأبسط الاحتياجات العلاجية في ظل جائحة كورونا التي ضربت البلاد دون هوادة في ثلاث موجات متتالية. فانعدم الدواء وتضاعفت اسعاره وتراجعت الخدمة الطبية في المستشفيات العامة والخاصة. بل تراجعت الحكومة عن استدامة المكاسب التي تحققت للمواطن في المجال الطبي والتي كان على رأسها مجانية العلاج والعمليات في مجالات الطوارئ والكلى والقلب والقسطرة والسرطان والامومة والطفولة وغيرها. اذ توقف تماما كل ذلك بسبب تشريد الكوادر المؤهلة وعجز الدولة عن مد هذه القطاعات الحيوية بالمستهلكات اللازمة رغم التمشدق بالدعم الدولي. هذا اضافة الى ازمات وتراجع الانتاج الكهربائي لالف وثمانمائة ميغاواط، بسبب انسداد البصيرة وتشريد الكوادر المؤهلة، بعد ان بلغت طاقة التوليد اثناء حكومة الانقاذ خمسة الاف ميغاواط. وقد ادى ذلك الى انقطاع الكهرباء في القطاعات السكنية في المدن الرئيسية لحوالي اثني عشر ساعة يوميا. وبسبب انقطاع الكهرباء شهدت العاصمة لاول مرة صفوفا لمياه الشرب في انتظار التانكر وذلك في اعرق الاحياء. وشهدت مراكز الحجر الصحي وغرف العناية المكثفة حوادث انقطاع مؤسفة للتيار الكهربائي نتجت عنها وفيات بين المرضى. ويقابل هذا كله بلامبالاة تامة من قبل الحكومة التي عرفت بتبلد غريب ازاء احتياجات المواطن وعدم احساس بآلامه او انفعال بمعاناته.
12- تناول المؤتمرون الفترة الانتقالية الراهنة والتحديات التي تواجهها. وقد اعربوا عن قلقهم المتزايد لعدم وجود اجندة للانتقال او تاريخ محدد لانتهائه. بل عبروا عن انزعاجهم لخروج الفترة الانتقالية عن مهمتها الرئيسة المتمثلة في تحقيق انتقال سلمي عبر الاعداد لانتخابات حرة نزيهة تشارك فيها كل القوى السياسية لتدخل البلاد بعدها في مرحلة اعداد دستور دائم يعده برلمان منتخب يحظى باجماع وطني كاف لحسم مسألة “كيف يحكم السودان”. فالتاريخ الحديث للسودان المستقل هو تاريخ البحث عن هذه الصيغة التي اعيت الاجيال المتعاقبة. ويعتز المؤتمر الوطني انه اكثر القوى السياسية السودانية سعيا للوصول لهذه الصيغة. اذ لم تنقطع مؤتمرات الحوار الوطني في عهد الانقاذ منذ عامها الاول في الحكم وحتى عامها الاخير.
13- اسف المؤتمرون لاستقدام رئيس الوزراء بعثة اممية، بموجب الدعوة التي قدمها سرا للامين العام للامم المتحدة في27 فبراير 2020، لتشرف على مهام الانتقال في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الانتقالات السياسية في السودان. وقد اكدوا على المبدأ الاساسي في ميثاق الامم المتحدة القائل باختصاص الامم كبيرها وصغيرها بشئونها الداخلية والذي يعد من ركائز النظام الدولي. وقد اشار المؤتمرون للنية المبيتة للتحايل على ذلك المبدأ بارسال خطاب رئيس الوزراء المشئوم لرفع الحرج عن المنظمة الدولية فتطلَق يدها تماما من كل قيد عندما يتعلق الامر بالشأن الداخلي السوداني.
14- أعرب المؤتمرون عن انزعاجهم للاحاطتين اللتين قدمهما المبعوث الخاص للامين العام رئيس بعثة يونيتامس في ابريل ومايو 2021 لمجلس الامن وذلك لما جاء فيهما من تأكيدات وتطمينات لايصدقها الواقع. وقد تضمنت الاحاطة الاخيرة بشكل خاص تضليلا واسعا للمنظمة الاممية حول اوضاع الانتقال في السودان، كما تضمنت تأكيدات حول الوضع الامني في دارفور تجافي الواقع المعاش. فقد اشادت تلك الاحاطة بما سماه المبعوث الخاص مجهودات الحكومة المتواصلة للدفع قدما بالانتقال السياسي. ولم نسمع احدا في السودان ـــــــ بمن في ذلك شركاء الانتقال المتشاكسين ـــــــ يتحدث يوما عن مثل هذه المجهودات التي لم يبصرها الا المبعوث الخاص وحده. بل طمأن المبعوث الخاص مجلس الأمن على جهود الحكومة لمعالجة الاشتباكات القبلية في دارفور مشيرا لما سماه “قرارها بتنفيذ تدابير امنية حاسمة” تتضمن قوات أمن مشتركة ولجان لوقف اطلاق النار. والكل يعلم، وخاصة المجتمعات المهددة في دارفور، انه لا شيئ من ذلك قد تحقق على الارض او رأى النور. اذا كانت الاحاطات المقدمة من قبل المبعوث الخاص للامين العام لا تملك الا ان تساير الاتجاه الرغائبي الداعم لحكومة الانتقال فتجاملها وتطبل لها مع المطبلين، فمن اذن هو الذي يتحمل، في ظل وجود بعثة اممية صارت امرا واقعا، مسئولية تحذير المجتمع الدولي مبكرا من خروج الانتقال السياسي في السودان عن مساره الصحيح؟ ومن ذا الذي يتعين عليه دق جرس الانذار قبل ازهاق المزيد من الارواح وتشريد المزيد من المواطنين في موجات العنف التي تلوح نذرها في الافق في دارفور في ظروف غياب الدولة التام هناك؟ اذا كان لابد للمبعوث الاممي من ان يعثر على شيئ في اداء الحكومة يشيد به فليركز على مكالماته الهاتفية الطويلة مع وزيرة الخارجية، مما اشار اليه في احاطته الاخيرة، وليبتعد عن التأكيدات غير الدقيقة حول تقدم جهود الانتقال السياسي، وينأى عن التطمينات الجزافية عن الاوضاع في دارفور.
15- عبر المؤتمرون عن تزايد قلقهم من مسار المواجهة الجديد داخل القوى اليسارية الحاكمة والذي يسعى الحزب الشيوعي السوداني لجر البلاد اليه بعيدا عن اجندة الانتقال. ففي اطار لهاثه المحموم لاستعادة قيادة الشارع بعد ان افتقدها، وبعد تغلب الجناح الاكثر تطرفا داخله، اختار الحزب الشيوعي قضية فض الاعتصام ليدخل بها البلاد في موجة جديدة من الصراع داخل القوى الحاكمة يوظف فيها مأساة اسر الشهداء ويستغل التعاطف الواسع مع تضحياتهم خاصة بعد ان اتضح ان لجنة التحقيق لم تكن الا ملهاة لشراء الوقت. ان المؤتمر الوطني هو حزب الشهداء. فهو الذي قدم منهم عشرات الالاف في اشرف قضية وأنبل معركة. ومن ثم لا يمكن لأحد ان يزايد عليه في ادراكه عظم تضحيات الشهداء واسرهم. اننا في المؤتمر الوطني ندرك جيدا ان الشهداء لايحملون ارواحهم على اكفهم ويقدمونها رخيصة الا فداء لما يؤمنون به. لا ليغرقوا الوطن في بحر من الدماء ودوامة من الثارات. فالشهداء ماتوا ليحيا الوطن ويستقر، لا لينفجر تحت شعار “الدم قصاد الدم”. ولا يكون الانتصاف للشهداء باطلاق التهم جزافا خارج السياقات القانونية وعلى نحو انتقائي، ولا يكون بتهديد استقرار الوطن الذي ضحوا من اجله، ولا يكون باستغلال تضحيتهم للنفخ في اشرعة تيار سياسي لفظته الجماهير ولاينتسب له غالبية الشهداء. وانما يكون الانتصاف الحق للشهيد بالمضي قدما في اعلاء المثل التي قدم حياته رخيصة من اجلها وتلبية لطموحاته في بناء الوطن العزيز. ومن ثم يوجه المؤتمرون الدعوة خالصة لاسر الشهداء ورفقاء دربهم لعدم الوقوع في احابيل الحزب الشيوعي او الاستجابة لمحاولاته المؤسفة لاستدرار مشاعرهم واللعب بعواطفهم واستغلال دماء ابنائهم واحبائهم للقفز بها على الكراسي من جديد، ودون مبالاة بما قد يحيق بالبلاد جراء هذه اللعبة الخطرة.
16- أسف المؤتمرون للتفكير النخبوي الضيق لفرقاء الحكم الذي كشفت عنه المواجهة الراهنة حول شهداء الاعتصام. فبعد عامين كاملين في السلطة لم ينجح الحاكمون في الخروج من “سنتر الخرطوم” وما يجد اصداء في “الفيسبوك”. فعلى فظاعة ما حدث عند فض الاعتصام من تصدي بالسلاح الناري لشباب اعزل عشية العيد، وعلى خسة الغدر بهؤلاء الشباب من قبل اللذين برروا الاستيلاء على السلطة بأنه كان لحماية الاعتصام والحيلولة دون ضربه، الا ان الدماء التي سفكت بعيدا عن اضواء الخرطوم في مستري ونيرتيتي وكلمة والجنينة وكسلا وبورتسودان وغيرها ـــــــ والتي بلغ من استشهدوا فيها اضعاف من استشهدوا في ساحة الاعتصام ــــــ ليست بارخص من دماء فض الاعتصام. بل لم تكن ظروف الغدر بأولئك الابرياء، التي خلفت في دارفور وحدها 144 قتيلا وادت الى نزوح 65 ألفا، بأقل مأساوية من ظروف الاعتداء على المعتصمين. غير ان ما حدث في تلك الاصقاع البعيدة قد سقط تماما من ثقوب ذاكرة النخب اليسارية الخرطومية.
فالدم الخرطومي هو الذي يحرك الشارع وهو الذي يقلب الموازين فيطيح باقوام ويأتي بآخرين، ومن ثم فهو وحده الذي يعني شيئا لحكومة الانتقال وفرقائها. عليه يهيب المؤتمرون بذوي الضحايا في الاصقاع البعيدة ان يُقبلوا على بعضهم بعضا فيضمدوا جراحاتهم دون انتظار الخرطوم. بل فليحمدوا الله على غفلة حكام الخرطوم عنهم وإلا لتم الزج بهم في الاجندة الدموية لنخب العاصمة. ويدعو المؤتمرون المجتمعات الاقليمية المتأثرة لابتداع مشروعات أهلية للتعافي الوطني والتصالح المجتمعي تستلهم التقاليد المحلية الراسخة في “الراكوبة” و”الجودية” و”العفو” منعا لتجذر الاحقاد وتجنبا لاراقة المزيد من الدماء. وسيجدوا في المؤتمر الوطني بقياداته الاهلية والمحلية والقومية، التي عرفوها وعرفتهم، خير عون وخير نصير.
17- وفي هذا السياق لابد من ان ينبه المؤتمر الوطني المجتمعات الولائية والمحلية الى خطورة الغاء صلاحيات الولايات والمحليات وعدم النص دستوريا على سلطاتها لاول مرة منذ ان قام الحكم الاتحادي في البلاد، الأمر الذي اعاد البلاد الى نظام مركزي قابض اختفى منذ عقود. فمثلما يُسهِّل ذلك امكانية فرض اجسام فوقية على الولايات، مثل الاقليم الذي فرض مؤخرا على دارفور دون صلاحيات محددة او موارد مالية معلومة، فانه ييسر سلب السلطات التشريعية والتنفيذية والمحلية والمالية للولايات. كما يمكّن ذلك من الافتئات على صلاحيات الولايات بقرارات عشوائية يصدرها رئيس الوزراء او حكام الاقاليم المرتقبين دون سند من دستور ودون مراعاة هذه السلطات التي صارت حقا مكتسبا للمستويات الاقرب للمواطن.
18- عبر المؤتمرون عن عميق اسفهم لضياع عامين من الفترة الانتقالية في قضايا انصرافية استقطبت الساحة السياسية بشكل حاد واضاعت الوقت بغية اعادة صياغة البلاد وفقا للخيار اليساري النيوليبرالي المفروض دون برلمان منتخب. وتطرق المؤتمرون بشكل خاص لسعي الحكومة الانتقالية المحموم لتجريف المجتمع السوداني وتقويض اسلوبه في الحياة وتفكيك منظومته القيمية اخذا بوصفات المنظمات الدولية والوكالات الاممية ومصفوفاتها الجاهزة التي تمارس الوصاية على الشعوب وتعيد تفسير الاديان وتتبنى ما يتناقض والقيم والتقاليد تحت شعارات براقة مثل “القضاء على التمييز والعنف ضد المرأة”. اذ اجاز مجلس الوزراء اتفاقية سيداو ومشروع البروتوكول الافريقي لحقوق المرأة “مابوتو” توطئة لتقديمها للاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء. بل اجاز الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء، والذى تسمى افكا باسم المجلس التشريعي المؤقت، خمسة وعشرين قانونا في وقت وجيز كان الهدف الاساسي لجزء مقدر منها هو اعادة صياغة السودان وفق منظور حكام اليوم، غير المفوضين لاحداث مثل هذه التغييرات الجوهرية، ودون مشاورة شعبية حتى وسط القوى المساندة للحكومة. ومن ذلك قانون التعديلات المتنوعة (الذي الغى حدودا شرعية واباح الخمر)، قانون اعتماد النظام المالي المزدوج (الذي قنن للربا)، قانون الغاء مقاطعة اسرائيل، قانون الغاء المجلس القومي للذكر والذاكرين، وغيرها. غير ان المؤتمرين، ثقة منهم في البناء القيمي الراسخ للمجتمع السوداني وفي الرفض الشعبي للعلمانية ومايجيئ في اثوابها، يرفضون الانجرار لهذه المعارك المتوهمة او الانشغال بها عن جوهر مهام المرحلة الانتقالية. فللمجتمع السوداني رب يحميه ودين يعصمه. ويشددون في ذات الوقت على اهمية ما يقوم به الدعاة من مشايخ الحركة الاسلامية وائمة المساجد وقيادات الطرق الصوفية ورجالات المذهب السلفي في تثبيت عرى الدين من ان تنتقض. كما انهم يعولون على دور الشباب والشابات في التيار الاسلامي العريض في محاصرة هذه الدعاية الخاسرة وكشف النوايا الخبيثة الرامية الى جر الاجيال الجديدة لحمأة التبرج والابتذال.
19- تطرق المؤتمرون لاوضاع حقوق الانسان في السودان. وقد ادانوا بشكل خاص الاعتقالات العشوائية والحبس غير القانوني لقيادات المؤتمر الوطني وكوادر التيارات الاسلامية والمعارضة الذي بلغ في بعض الحالات السنتين دون حتى اجراءات نظامية لتجديد الحبس. ورحبوا بما تضمنه تقرير امنيستي انترناشونال الاخير من اشارة الى تعرض اكثر من اربعين من قيادات الحكومة السابقة للاعتقال العشوائي واستمرار حبسهم دون توجيه تهم لاربعة عشر شهرا (عند صدور التقرير). وناشدوا بقية المنظمات العالمية لحقوق الانسان ان تثبت في هذا المحك ان قضيتها هي فعلا حقوق الانسان، وانها لا تكيل بمكيالين.
20 – كما اشار المؤتمرون الى تفويض المكتب الجديد لحقوق الانسان في السودان، الذي انشئ في 25 سبتمبر 2019، الذي يقتصر، كما قيل، على ستة مجالات تتماهى والوثيقة الدستورية مهملا انشغالات وقضايا حقوق الانسان الحقيقية في البلاد. فهذا التفويض المبتسر قد جعل الانشغال الاممي بحقوق الانسان في السودان منصبا فقط على ما سمي “مكافحة عدم مساواة المرأة”، و”تعزيز مشاركة المرأة والاقليات في الحيز الديمقراطي”، و”مكافحة الختان الفرعوني”
ولفتوا الانظار الى انه بالرغم من كل هذه الشعارات الكذوب للمساواة فان نسبة مشاركة المرأة الفعلية في الحكومة واجهزة الدولة تتراجع باستمرار عما كانت عليه في عهد الانقاذ.
21- لاحظ المؤتمرون ان مكتب حقوق الانسان بالسودان صار منشغلا عن مهمة حماية الحقوق والحريات الاساسية بتعديل القوانين السودانية ليتأكد من امتثالها لما يراه التزامات دولية بموجب مواثيق حقوق الانسان. ونبهوا في هذا السياق الى تواطؤ المكتب في عملية تغييب ارادة الشعب السوداني التي لا يعبَّر عنها الا بواسطة برلمان منتخب والتي تعتبر لازمة للمصادقة على المواثيق الدولية ولاصدار القوانين الوطنية. اذ قبل مكتب حقوق الانسان ان يتم ذلك بواسطة الاجتماع المشترك للمجلسين الذي هو قمة هرم السلطة التنفيذية ولا يجوز له ان يفتئت على السلطة التشريعية. كما لم يأبه مكتب حقوق الانسان لتغييب المحكمة الدستورية برغم وجود المئات في طوابير انتظار الاعدام يرتقبون كل صبح جديد، بين اليأس والرجاء، صدور القرار النهائي بشأن حياتهم او موتهم. فأي ضمير هذا الذي يتجاهل معاناة هؤلاء! وأي مكتب لحقوق الانسان ذلك الذي تخلو تقاريره ولو من سطر وحيد عنهم! هذا فضلا عما يتسبب فيه تغييب المحكمة الدستورية من تعطيل لكافة دعاوى انتهاكات حقوق الانسان بسبب انها المحكمة الوحيدة في البلاد المختصة بنظر الطعون بشأن حقوق الانسان بصفة ابتدائية.
22- حمل المؤتمرون حكومة الفترة الانتقالية المسئولية الكاملة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في السودان التي ارتكبتها السلطات الحكومية مباشرة مثل الاعتداءات المتكررة على المظاهرات السلمية التي استخدم في بعضها الرصاص الحي فراح ضحيتها الابرياء، وكانت ابرزها مجزرة طلاب الابيض التي طواها النسيان. هذا خلاف عشرات الانتهاكات التي فشلت الحكومة في منعها او مجرد التحقيق فيها في دارفور وشرق السودان وغير ذلك. بل فشلت الحكومة الانتقالية في بسط الامن وسلطة القانون حتى في ولاية الخرطوم التي شهدت اطرافها واحيانا مركزها انفراطا غير مسبوق هدد ارواح المواطنين وممتلكاتهم فلم تعد الخرطوم المدينة الامنة التي كانت من قبل. واذا كانت هذه الحكومة تفعل كل هذا دون ان يطرف لها جفن لأن المجتمع الدولي راض عنها ولن يسائلها، فلتعلم ان للشعب السوداني رأي اخر فيما تقوم به وان حساب هذا الشعب آت يوما لا محالة ولن يعصمها منه عاصم.
23- تناول المؤتمرون بشكل خاص حل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة دوره وممتلكاته دون قرار قضائي. كما تطرقوا لما تقوم به لجنة التفكيك ازاء اعضاء الحزب من تضييق ومصادرة وتشهير دون حتى احالة الامر لقضائهم المعطوب الذي سيس تماما بسبب فصل المئات من القضاة ووكلاء النيابة الاكفاء في سابقة فريدة من نوعها. وأكد المؤتمرون عزمهم على ألا يفت ذلك من عضدهم، ولا يزيدهم الا ايمانا بفكرة حزبهم المشرأبة للسماء والمتجذرة في تراب الوطن. وسيعلم اللذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.
24- استكر المؤتمرون بشدة فصل وتشريد عشرات الالاف من موظفي الحكومة الاكفاء، مما افقد البلاد خدمات خيرة ابنائها وبناتها المؤهلين. كما تطرقوا لمحاولات ابدال من فصلوا جورا بمنتسبي الاحزاب اليسارية الحاكمة اللذين تعوزهم الخبرة، واحيانا المؤهل، ودون اتباع الاجراءات القانونية المرعية للتعيين في الوظيفة العامة القائمة على التنافس الحر المفتوح. ونبهوا للاثار الخطرة لذلك على كفاءة واستقلالية الخدمة المدنية. واشاروا الى انه تبين ان حجة التمكين التي اعلنها الحاكمون لم تكن الا قميص عثمان الذي استخدموه ذريعة للتمكين السافر الذي يباشرونه اليوم. كما عبر المؤتمرون عن اسفهم لحل النقابات المهنية المعترف بها اقليميا ودوليا وحل المنظمات الطوعية والانسانية التي تركت فراغا كبيرا في الظروف الاقتصادية الراهنة.
25- تطرق الاجتماع لاتفاقية السلام التي ابرمت في جوبا في 3 اكتوبر 2020 مع بعض الحركات المسلحة. ولاحظ المؤتمرون كيف ان جهل المفاوض الحكومي وعدم دربته قد جعلاه يستحسن اضافة مسارات وهمية تتعلق بمناطق خارج دائرة الصراع المسلح ولا اثر لها فعلي في تحقيق السلام. كما استغربوا استسهال المفاوض الحكومي، لذات الاسباب، الهروب الى الامام استعجالا للسلام بقبوله التزامات لا قبل له بالوفاء بها. والنتيجة هي ما نشهده اليوم. حيث اضحت مسارات الشمال والشرق والوسط سببا لنزاعات جديدة لم تكن موجودة. وهاهي سبعة اشهر تمضي على توقيع الاتفاقية دون ان تنفذ ايا من استحقاقاتها على الارض. فباستثناء حصول الحركات الموقعة على بعض المواقع القيادية في الحكومة في اطار المحاصصة الحزبية القائمة لاقتسام الوزارات والوظائف لا يوجد اي تنفيذ ولو على مستوى اجراء التعديلات المطلوبة في الوثيقة الدستورية واصدار التشريعات اللازمة وبدء تنفيذ برامج اعادة التسريح والدمج.
أما قضايا تقاسم السلطة والثروة وادارة التنوع بابعاده السياسية والثقافية والمجتمعية ومسائل تحقيق المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا جبرا للضرر، وهي القضايا الجوهرية التي تكمن فيها جذور الصراع، فذلك ما نسي تماما بمجرد الاتفاق عليه. هذا فضلا عن السعي لايقاف الاقتتال واحلال السلام على الارض. اذ ان من قتلوا في معسكرات النازحين وغيرها في دارفور بعد توقيع اتفاقية جوبا يبلغون اضعاف من قتلوا بسبب الحرب في الاعوام الخمس السابقة للتغيير.
26- لاحظ المؤتمرون انه ما كادت الحكومة توقع اتفاقية جوبا حتى ظنت ان مهمتها قد اكتملت، ليبدأ التسابق بين جناحيها المدني والعسكري على توقيع الاتفاقات مع حركة عبدالعزيز الحلو. فبعد ان وقع معه رئيس الوزراء اتفاقا مبدئيا في اديس ابابا في 4 سبتمبر 2020 وقع معه رئيس المجلس السيادي اتفاقا مبدئيا اخر في جوبا في 28 مارس 2021. ولا يتوقع ان يستتبع ايا من الاتفاقين اي خطوات عملية رغم ما نشهده هذه الايام من مساعي ابتدار تفاوض عبثي في جوبا. فكل ما كان مطلوبا هو الفرقعة الاعلامية الطفولية التي اثارها اقرار الاتفاقين للعلمانية والتي لايقوي ايا من الاتفاقين المعزولين او اطرافهما على فرضها على هذا الشعب المستعصم بربه والحفيظ على دينه. غير ان المؤتمر الوطني يدعو الى ان تولى اتفاقية سلام جوبا العناية التي يوجبها الوفاء بالعهود؛ فتوفر الموارد الكفيلة بانفاذ استحقاقاتها درءا للفتن ومنعا لتجدد الحرب الاهلية في دارفور والمنطقتين.
27- حيا المؤتمرون الحراك الاهلي الذي تتصاعد وتائره واشادوا باللحمة القوية بين التيار العريض للشباب الاسلامي والكيانات السلفية والصوفية والاهلية والحزبية والمجتمعية التي تضافرت مواجهة للمد العلماني، واستنكارا لاخراج الفترة الانتقالية عن هدفها ومسارها بغية استغلالها لطمس الهوية الاسلامية لهذا البلد، وتعبيرا عن هموم المواطنين، وسعيا لحل مشاكلهم. فالتيار الاسلامي اكبر من ان يتشرذم او يتشظى تحت دعاوى فارغة يطلقها اعداء الدين ضد الجماعات المختلفة لتسهيل اصطيادها واحدة تلو الاخرى ليخلو لهم الجو فيظفروا بهذا المجتمع المسلم وينالوا منه بغيتهم. وهكذا بدلا من ان يعزل الحاكمون المؤتمر الوطني او يقصوه اذا بهم يكتشفون فجأة مدى تجذر علاقاته بكافة كيانات المجتمع فيتسابقون مؤخرا للالتقاء بقيادات الطرق الصوفية والادارات الاهلية لفك عزلتهم هم ومحاولة للخروج من برجهم العاجي. وفي هذا السياق اشاد المؤتمرون بمبادرات اللقاءات الرمضانية خاصة مبادرة الاحتفال بذكرى غزوة بدر الكبرى التي انتظمت افطاراتها اكثر من اربعين مدينة في طول البلاد وعرضها. كما اشادوا بالتدافع العفوي الكبير لتشييع الفقيد الزبير احمد الحسن حيث وفد عشرات الالاف الى موقعي الصلاة والدفن في ساعات قليلة رغم ظروف الصيام فكان مجيئهم استفتاء يبين اي الفريقين أكثر نفيرا. وعقد المؤتمرون العزم على تقوية هذا الحراك بكل الوسائل السلمية المتاحة.
28- ادان المؤتمرون باقوى عبارة اجتماع عنتبي بين البرهان ونتنياهو في 3 فبراير 2020 وما يراد بالسودان من انجرار للتطبيع مع اسرائيل ضمن مايسمى السلام الابراهيمي. ويؤكد المؤتمر الوطني على موقفه الراسخ من القضية الفلسطينية والذي لم يحد عنه على مدى ثلاثين عاما في الحكم رغم كل الضغوط والاغراءات؛ والذي يتمثل في ألا سلام مع اسرائيل وهي تحتل المسجد الاقصى، اولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين. كما أكد المؤتمرون ان مبادرة السلام العربية التي اطلقها المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في 2002، والتي تبنتها الجامعة العريية، والتي ترمي لانشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وترمي لضمان عودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتل واطلاق سراح الاسرى، تمثل الحد الادنى الذي يتوجب علينا دينا عدم التراجع عنه نصرة لاخوتنا في الاراضي المحتلة، فذلك اضعف الايمان. وقد عبر المؤتمرون عن بالغ الأسى بسبب ان تطبيع السودان جاء رجاء تلقيه عرَض من الدنيا قليل تمثل في رفع العقوبات الامريكية والتي لم ترفع حتى اليوم. وهاهي الحكومة الانتقالية تتبع قرار التطبيع بقرار الغاء المقاطعة الاسرائيلية على امل الاذن للشركات الامريكية والاسرائيلية بالاستثمار في السودان. وستثبت الايام ان ذلك ايضا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا. واهاب المؤتمرون بكل قوى المجتمع السوداني الحية اتخاذ مختلف اشكال التعبير المشروع لمطالبة حكومة الفترة الانتقالية بايقاف التطبيع مع اسرائيل واعادة العمل بنظام المقاطعة الذي ظل معمولا به منذ العام 1967.
29- وفي هذا السياق اشاد المؤتمرون بالصمود البطولي لحركتي حماس والجهاد الاسلامي في وجه العدوان الصهيوني الغاشم على المسجد الاقصى، والذي كانت ثمرته هذا النصر المؤزر. فهاهي المقاومة الفلسطينية تمطر العمق الاسرائيلي بآلاف الصواريخ في ايام معدودات بما زلزل اركان الكيان الصهيوني رغم تظاهره بالتماسك.
ولعل اولى ثمار هذا النصر الكبير هي فشل المخطط اليهودي في الاستيلاء على المسجد الاقصى، مما يطوق اعناق المسلمين في مشارق الارض ومغاربها بجميل للمقاومة الفلسطينية يصعب رده. وقد ترحم المؤتمرون على شهداء غزة وسألوا الله عاجل الشفاء لجرحاها ودعوا لتضافر الجهود لاعادة اعمارها.
30- ناقش المؤتمرون علاقات السودان بدول المنطقة والمجتمع الدولي. وقد عبروا عن اسفهم للتبعية المذلة التي آل اليها امر حكام اليوم والتي لم تعد بخافية على احد. اذ لايغادر حكام الخرطوم عواصم معينة الا ليشدوا اليها الرحال من جديد. وقد لاحظ المؤتمرون بشكل خاص خيبات الامل الكبرى في كل ما كانت تُمنِّي به هذه الحكومة المواطن السوداني مما تُعقد فيه الامال العراض على الدول الغنية بالمنطقة والدول العظمى. فهاهي صنابير الدعم الخليجي قد جفت، وهاهي العقوبات الامريكية لاتزال سارية رغم كل الوعود الجوفاء، وهاهي الديون لم تعفى. وقد جاءت خيبة الامل الكبرى في اعقاب مؤتمر باريس، الذي انعقد في 17 مايو الجاري، اثر دعاية كثيفة صورته وكأنه المنقذ والمخلص للبلاد من كل ازماتها. فاذا ما كان الشرط الامريكي لاعفاء الديون المنصوص عليه في قانون دعم الانتقال والديمقراطية في السودان هو نقل رئاسة المجلس السيادي للمدنيين وايلولة شركات الجيش لوزارة المالية، فان الشرط الاوروبي الذي اضيف لذلك على لسان ماكرون هو اجراء الانتخابات وانهاء الفترة الانتقالية وتسليم الحكم كله لمدنيين منتخبين. بل حتى الوعود التي قدمت من بعض الدائنين السياديين الغربيين، والتي لم تتجاوز حتى الآن مرحلة التعبير عن النوايا الحسنة، تقتصر على 13.3% فقط من جملة الدين، وقد ربط اعفاءها بتنفيذ كامل مطلوبات صندوق النقد الدولي. وهكذا تبخر تماما اي امل لاعفاء الديون على المدى القريب. وتمثلت ردة الفعل الشعبية المباشرة على الدعاية المضللة للمؤتمر في الانهيار الكبير لسعر العملة السودانية. اذ فقد الجنيه السوداني، فور انفضاض سامر المؤتمر، حوالي 15% من قيمته في اسبوع واحد.
31- في الشأن الحزبي قرر المؤتمرون ما يلي:
(أ) الاشادة بصمود الحزب وبتماسك قياداته وكوادره واعضائه على مدى السنتين المنصرمتين رغم الحملة الجائرة التي قصد بها عزله واقصائه بل استئصاله من جذوره. وقد خاب فأل القائمين على تلك الحملة الشعواء من القوى الاقليمية وعملائها ومن تيارات اليسار والنيوليبرالية، وكذلك من اعانوهم بالصمت المخزي في الدوائر الدولية رغم الدور المشهود لهذا الحزب وحكومته في استقرار السودان وتعزيز السلم الاقليمي ومكافحة الارهاب. فها هو المؤتمر الوطني وكما اثبتت الاحداث المتلاحقة ينهض قويا لاتزيده الملمات والمحن الا توهجا وبريقا. وهاهي قيادات حزبنا وكوادره داخل السودان وفي المنافي، في المعتقلات وخارجها، شيبا وشبابا، رجالا ونساء، لا تزداد الا ايمانا بربها وحبا لوطنها وتمسكا بقضيتها والتزاما بحزبها. وقد تمكنا بفضل هذا التماسك من تجنب الصراعات والانشقاقات، رغم كيد الكائدين، بل مضينا للاحاطة بكامل عضويتنا الواسعة على امتداد الوطن الرحيب، ثم مضينا قدما في هيكلتها على الارض وتشبيكها في الواقع الافتراضي.
(ب) رفض قرار حل حزب المؤتمر الوطني رفضا مطلقا. ففوق كونه قرار سياسي بامتياز لم تصدره جهة قضائية ولم تسبقه أي ادانة بل ولا حتى توجيه تهمة، فان ذلك القرار يتنافى وحقوق الانسان وحرياته الاساسية. بل هو عمل سلطوي لايمت للديمقراطية بصلة. فحل هذا الحزب العملاق او الابقاء عليه امر يخص عضويته وحدها. فالافكار لاتحل والكيانات الحرة لاتلغى. ذلك هو مقتضى وثائق حقوق الانسان التي يتمشدق حكام اليوم بالحرص عليها. وقد آلى حزب المؤتمر الوطنى على نفسه ان يجعل من هذا القرار اضحوكة، وذلك بان يظل قائما وقادرا على تنظيم عضويته العريضة في طول البلاد وعرضها. بل سيضحي اللاعب الاول في المشهد السياسي رغم هذا القرار الذي لايساوي الحبر الذي كتب به. ويشكر المؤتمر الوطني كل القوى السياسية التي تعاملت معه دون تردد او مواربة في تجاهل تام لذلك القرار المتهافت ويثنى على تلك القوى التي اعلنت صراحة موقفها الرافض لقرار الحل وطالبت برفع هذا الحظر غير القانوني.
(ج) لتأكيد على اعتزاز الحزب بتجربته في الحكم بكل ما فيها من نجاحات واخفاقات، وبما فيها من صواب وخطأ. اذ من المستحيل ان تخلو تجربة بشرية امتدت لثلاثة عقود، مهما علا شأوها، من الاخفاق والخطأ. ونحمدالله الذي سخر لنا، دون حول منا ولا قوة، على مدى سنتين فقط تجربة قوامها الاخفاق والفشل الذريع بل السقوط العمودي لتقاس بها تجربتنا. فبضدها تمايز الاشياء. هذا رغم انه يؤلمنا ويشقينا ان شعبنا هو الذي ذاق الامرين في هاتين السنتين العجفاوين جراء تجربة حكم “قحت” وبلدنا هي التي تراجعت بسببها عقودا واحقابا.
(د) ويثمن الحزب عاليا ما وفقه الله اليه من الانجازات الكبرى التي حققها على مدى ثلاثين عاما في مختلف المجالات، مما يقف شامخا ملموسا في كل مناحي الحياة ولايتسع المجال لسرده؛ ذلك رغم من ظروف الحصار والاستهداف والتضييق. وما كان هذا الا لبأس الرجال وعزيمة النساء من قادة الحزب وكوادره. في ذات الوقت نستغفر الله ونتوب اليه من كل خطأ أو تقصير، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. ونعرب عن اتم استعداد للدخول في برنامج شامل للتعافي المجتمعي والمصالحة الوطنية يتجاوز المرارات والاحقاد، فالبلاد لاتبنى بالضغائن ولا تعمر بفش الغبائن.
(هـ) الاستمرار بترو وتؤدة في المراجعات الداخلية واسعة الطيف التي استهلها الحزب، فور سقوط دولته، تقييما لتجربته في الحكم على مدى ثلاثين عاما. فأجال النظر فيها تفكرا وتدبرا ليتوقف على ما اصاب من نجاحات فذة، ويتملى ما فيها من عبر وعظات، وينظر كيف يتقي ما شابها من مزالق وهنات. وهو في هذا يطمئن المشفقين ان هذه المراجعات بالغة غايتها بإذن الله.
(و) يحتفظ الحزب بإسم “المؤتمر الوطني” الذي عرف به علما بين الاحزاب ويتمسك بلوائه الذي قهر تحت ظله الصعاب. ويبقي حاليا والى حين اشعار اخر على تكويناته الهيكلية وبنائه الحزبي الراهن في كافة انحاء البلاد.
(س) اجرى الاجتماع تعديلات واسعة في النظام الأساسي للمؤتمر الوطني تعبر عن التجديد في روح الحزب وخطته، مع الثبات على مبدئه وفكرته؛ وتتناسب ودواعي الحركة الطلقة في المرحلة الراهنة. وتقرر ان ينشر النظام المعدل كاملا لتطلع عليه قواعد الحزب ويتعرف عليه الجمهور السوداني العريض.
(ح) يقر الحزب رئيسه الحالي المنتخب من قبل المؤتمر العام الى نهاية الدورة الحزبية، ذلك رغم ظروف الحبس الجائر. ويستهل الحزب برنامجا متدرجا لنقل القيادة الى جيل الشباب أخذا بسنة التداول بين الاجيال واعترافا بأن الشباب، رجالا ونساء، هم الاقدر على قيادة الحزب في ماهو مقبل من ايام والاقوى في التصدي لما هو ماثل من مهام.
(ط) باكماله لهياكله القيادية، وفقا للقرارات التي اتخذها في اجتماعه هذا، يبدأ الحزب مشواره الجديد وهو اقوى عزيمة واشد مضاء؛ ويستهل برنامجا متدرجا لنقل القيادة الى جيل الشباب أخذا بسنة التداول بين الاجيال واعترافا بأن الشباب، رجالا ونساء، هم الاقدر على قيادة الحزب في ماهو مقبل من ايام والاقوى في التصدي لما هو ماثل من مهام.
(ي) تستمر دورة مجلس الشورى الحالي الى حين انعقاد المؤتمر العام للحزب؛ والى ذلك الحين يظل مجلس الشورى مفوضا ممارسة كافة صلاحيات المؤتمر العام.
(س) يلتزم الحزب موقفه الذي اعلنه قبل سقوط الانقاذ من انه يعترف بمشروعية مطالب الشباب ويقر بالاخطاء التي ادت الى تفجر الاوضاع حينها. لا يثني الحزب عن ذلك ما تبين له من بعد من كيد خارجي وخيانة داخلية استغلتا تحرك الشباب المشروع لينتهي الامر الى اقصاء الشباب ومطالبهم وابعادهم عن المشهد والسطو على السلطة وتقويض الشرعية الدستورية والتمكين للاجنبي على النحو الذي نشهده اليوم.
(ل) يدعو الحزب الى عودة الفترة الانتقالية الى مسارها الطبيعي والذي يتطلب اعداد البلاد للانتخابات في الفترة المقررة لذلك والتي تنتهي في 3 أكتوبر 2023. ويلفت الانتباه الى ما يتطلبه هذا من اهمية المسارعة لتشكيل مفوضية الانتخابات واصدار القوانين التي تضمن التنافس الحر النزيه بين كافة القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني دون اقصاء او عزل. والى ان تتخذ الحكومة الانتقالية الخطوات المفضية لذلك يمضي الحزب وكل القوى المساندة له في برنامج تصعيدي بكافة السبل المشروعة، حتى تفيئ الحكومة الانتقالية الى جادة الصواب فتعيد الفترة الانتقالية لطبيعتها وبرنامجها فتجرى الانتخابات العامة في موعدها المقرر دون تأجيل او تسويف ودون استثناء لأحد.
(م) يثمن الحزب غاليا البرنامج الذي نفذته العضوية في الشهر الكريم للتواصل مع المحتاجين في هذا الظرف الاقتصادي العصيب، خاصة في ظل غياب منظمات العمل الطوعي والانساني التي كانت تتصدى لمثل هذه المهام الجليلة وذلك بسبب القرار الاخرق بحلها. ويدعو المؤتمرون القيادات الولائية لاستدامة هذا البرنامج بقية العام وعدم قصره على رمضان.
“وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء لهداكم اجمعين”.
الخرطوم، السبت 17 شوال 1442 الموافق 29 مايو 2021.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.