المؤتمر الاقتصادي الكوميدي !

0 88
كتب: منعم سليمان 
.

تحوّلَ المؤتمر الاقتصادي الذي أختتم أعماله يوم أمس إلى مؤتمرٍ للسخريّة والضحكْ، وأكاد أجزم لو أن فرقة مسرحيةٍ قد كُلفت بمهمةِ تنظيم هذا المؤتمر لِما استطاعت إخراجه بهذا الشكل الكوميدي الموغل في الهزلية والمفارقات المضحكة/ المُبكية، تنظيما وأداء وأدواراً.

ومن تلك المرأة البسيطة التي طالبت بتوحيد عقوبة الاغتصاب في البلاد، إلى الأخرى صاحبة الأداء الحركي الكوميدي، التي عرفت نفسها بانها تحمل درجة الدكتوراة ولها أوراق وأبحاث علمية في الاقتصاد ونهضته، فكانت خلاصة ورقتها: أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد مُفتعلة، لتكشف عن فأر جبل اقتصادها، وكاشفة أيضاً عن حقيقة ان الأمثال الشعبية إنما هي عصارة تجارب الشعوب، وقد ورد في أمثالنا الشعبية: “القلم ما بزيل بلم” !

وحتى لا أبدو مُتحاملاً على النساء – معاذ الله – يجب أن أُقر أنّ المؤتمرين كانوا يتنافسون بشرفٍ في المسخرة والجهل النشِطْ، فتفوقت فواصل الجهل والمسخرة على فوارق النوع واللون السياسي والدين واللغة، واختلط حابل النساء بنابل الرجال، وسقطت هيبتهما معاً، وانكشفت العورات المُخبأة، وتساوت اللغة الركيكة بالأداء المبتذل، واستوت لغة وأداء المرشح لمنصب وزير المالية بلغة وأداء “الزلنطحية”.

لقد كُنا أمام نسخة سودانية من برنامج لاكتشاف المواهب الكوميدية: ومن ذلك المشارك الذي ظل يصرخ ويردد “أي إنتاج للدولة ملك للدولة” ولم يتوقف إلاّ بتدخل رجال أشداء يبدو إنهم يتبعون لجهة نظامية، إلى ذلك الشاب المُتحمس الذي استهل كلمته بعبارة ” أصحا يا ترس” ثم نطق بما يجوز التفوه به مجاناً بناصية منزلهم العامر، ولكن لا يجوز – تأدباً وحياء- التفوه به أمام محفل يُفترض إنه علمي وأكاديمي رصين لا يؤمه إلاّ أهل العلم والتخصص! كان المؤتمر برمته موئلاً للضحك والهزل والمسخرة، وكأنه قد التأم من أجل الترفيه عن الشعب وليس للنهوض به وبمعيشته!

هذه المسخرة الفاحشة جعلت (أبيض اللون) يقفز من قاع ذاكرتي إلى أعلاها، وصار يحتل مساحة كبيرة في تفكيري، ومن لا يعرف من هو (أبيض اللون) من مُحدثي نعمة ونقمة “الفيسبوك”، فهو رجل سوداني بسيط من عوام الناس أُشتهر قبل سنوات في وسائل التواصل الاجتماعي، ومبلغ شهرته إنه كان – كما بعض المشاركين في المؤتمر الاقتصادي- لا يملك في هذه الحياة سوى الجرأة والاقتحام، وقد ظنّ في نفسه الأهليّة لنظم الشعر، وكان ينظم كلماته المتنافرة الموغلة في الركاكة والسطحية ثم يقرأها على الملأ بثباتٍ وجرأة يحسد عليهما، وكان بعض الشباب – ومن باب الضحك والهزل – يصورونه وهو يقرأ ما يزعم إنه شعرا ويبثون المقاطع على صفحات الفيسبوك، وقد أخذ لقبه وشهرته (أبيض اللون) من قصيدة له يقول فيها: (أبيض اللون مالي أراك مرفوع الرأس وكرعيك هاويات كأنك في تاني دور/ مسكين إنك عاجز عن الكلام/ إنك تسمعني ولا ترد عليّ إنك أبيض اللون/ أين عيناك أين أذناك أين أنفاك يا أبيض اللون؟)، وكنا نظن ان مثل هذا الهراء قد اندثر من فضاء حيواتنا بإندثار (أبيض اللون) فأحيته “الحرية والتغيير” وأقامت له مؤتمرا واحتفالا!

علمتُ لاحقاً ان (أبيض اللون) قد انتقل إلى رحمة ربه – ولا أعرف مدى صحة هذه المعلومة – اللهم إنْ كان عبدك (أبيض اللون) بجوارك فتجاوز عن سيئاته، وأبلغه عنا إنّه بعد ثورتنا المُباركة التي كُنا نصفها بأنها “ثورة وعي” قد أصبح منهاجاً وفكرة.
(أبيض اللون) فكرة والفكرة لا تموت!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.