بعد 67 عاما !

0 72
كتب: زهير السراج
.

* كنا (نقطة مضيئة في قارة مظلمة) كما وصفتنا مجلة النيوزويك الأمريكية في عددها بتاريخ 23 فبراير 1953، بل جعلت الوصف عنوانا رئيسيا للغلاف ..!

* تخيلوا .. كان (السودان) عنوانا لغلاف مجلة (النيوزويك) صاحبة الشهرة العالمية وأكثر المجلات انتشارا في العالم .. مجلة النيوزويك، وليس صباح الخير أو آخر ساعة أو روز اليوسف مع احترامي لهذه المجلات !

* كان السودان .. (السودان الواحد ده) .. عنوانا للنيوزويك، ليس لحدوث انقلاب او وقوع حرب او موت الناس بالمجاعة .. وإنما احتفاء بالسودان وما رصدته فيه من تقدم ورقى ونظافة وجمال، الأمر الذى أدهشها أن يكون كل هذا الرقى في قارة متخلفة تعانى من المجاعات والفقر .. فوصفته بـ(نقطة المضيئة في قارة مظلمة) و جعلته موضوعها الرئيسي وزينت به غلافها، ومع العنوان صورة لجندي سوداني بالزي القديم (القميص والشورت ) وهو ينفخ في آلة البروجي الموسيقية (الطرمبة) .. !

* وبداخل العدد عشرات الصورة الجميلة المبهرة عن السودان، صور لطالبات مبعوثات للدراسات العليا خارج السودان وهن بثوبهن الابيض الجميل .. وصور لمشروع الجزيرة والخضرة الممتدة على مد البصر، وصور لمدينة الخرطوم النظيفة لدرجة اللمعان وكأنها جنيف أو زيورخ .. وصور .. لمعامل العلوم في المدارس الثانوية .. وصور بالعشرات تحكى عن السودان أيام زمان وهو (نقطة مضيئة في قارة مظلمة) !!

* وكلمات كتبت بمداد من ذهب عن تطور السودان ونموه والحالة المعيشية المرتفعة رغم بساطة الحياة، ومستوى التعليم الجيد، ومشروعه الزراعي الاكبر في العالم من حيث المساحة والعمالة والطريقة المتقدمة للزراعة والري والحياة الاجتماعية المثالية في المشروع والمناطق المحيطة به .. ومن حيث نوع القطن الذى ينتجه، ومن حيث أنه المنتج والمصدر الأول للقطن طويل التيلة .. منافسا للولايات المتحدة أعظم دولة في العالم!!

* والمعدلات العالية للنمو والتوقعات بالمستقبل الباهر الذى ينتظر السودان ليأخذ مكانه في الصفوف الأولى بين الدول .. مما يجعلك تحلق بعيدا في الفضاء وتسرح مع غنم إبليس .. وتتخيل أن السودان انطلق فعلا الى الامام .. وأن مشروع الجزيرة صار مشروعين وثلاثة واربعة .. ومشاريع إنتاج حيواني توفر للعالم الغذاء والطعام والحليب والألبان المجففة والأجبان من كل الاشكال والألوان، وزيوت الطعام من كل الألوان والأشكال وأن السودان صار فعلا سلة إذا العالم .. والصناعات الخفيفة والثقيلة .. والمراكز الاولى في تصنيف الجامعات ومراكز البحث العلمي المتقدمة .. والنظافة .. ونهر النيل الساحر تحيط به الحدائق والشواطئ الجميلة .. ومقرن النيلين يجتذب ملايين السياح والزائرين الذين يأتونه من كل فج وصوب .. والزهور المتنوعة والفراشات والعصافير الملونة والنوافير الضوئية وجنة خضراء تمتد على مر البصر إسمها السودان .. النقطة المضيئة في القارة المظلمة !

* ثم .. ينقلب إليك البصر خاسرا وهو حسير .. لترى الخراب في كل مكان فيه .. لا نقطة مضيئة ولا حتى مظلمة .. لا مشروع جزيرة ولا صناعة ولا زراعة ولا قطن ولا صفيح ولا ولا تعليم .. ولا صحة ..و لا شيء سوى يد ممدودة تتسول الطعام والعون من الخارج .. اسمها السودان !

* لقد ظللنا منذ استقلالنا في حالة صراع وأنانية وحقد .. لم نهدأ لحظة واحدة ونتفرغ للتفكير في تنمية أنفسنا ومجتمعاتنا والوطن العزيز الذى إستلمناه من الاستعمار (نقطة مضيئة فى قارة مظلمة)، لديه أكبر مشروع زراعى فى العالم يعمل به مليونا عامل ما بين مستديم وموسمى، واطول خطوط السكك الحديدية فى أفريقيا، وهما عاملان كانا وحدهما يكفيان للصعود الى قمة الجبل لو تفرغنا بعض الشئ للتنمية والتطور .. ولكن ماذا نفعل مع الأنانية والحقد والغباء .. حقدنا وأنانيتنا وغباؤنا !!

* قبل 67 عاما كنا نقطة مضيئة، فماذا صرنا الآن .. أي استقلال هذا الذى نتحدث عنه ونفتخر به ونغنى له؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.