تحـــــــــرر الهامــــــش من الأمـــــــة ضـــــــرورة – (1)

0 86
كتب: آدَمْ أجْــــــــــــــرَىْ
.
فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، عبر بإحدى المدن الصغيرة رجل يقتاد ثوراً ظل يسير به لأسابيع، هدفه إيصاله أمدرمان وتقديمها هدية لزعيم طائفة، والمشوار أمامه مازال طويلاً. سأله أحد المارة مستنكراً بذله كل هذا الجهد من أجل رجل لا يعرفه مؤكداً، عن قيمته الحقيقية بالنسبة له، والطائل من وراء هذه المشقة! و…… إلخ. فأتت ردوده فعلاً لا قولاً، أشهر حربته فى وجهه وبدأت المطاردة، وكان السائل محظوظاً لمصادفته سيارة لاندروفر متحركة قفز فيها ونجا.
نفس تساؤلات السائل بقيت مطروحة منذاك، واليوم نعيدها إلى الأذهان:
هل يستحق حزب الأمة كل هذا الجهد الذى يبذله الهامش لأجله ولأمرائه؟ ما قيمته الحقيقية، والمكاسب التى تحققت من وراء الإصطفاف خلفه؟
المهدية إنطلقت من جبال النوبة، عمل صاحبها أولاً مدرساً، ثم عاد إليها مرة أخرى طالباً شباباً يقاتل بهم – الجلابة الأتراك – وباقى القصة معروفة.
بعد الإستقلال تحولت إلى إحدى معاقلها، والأسباب ليست طائفية، ولا إيماناً بقداسة أحد، بل فى ظل عدم وجود البديل، وحزب الأمة يرفع إلى البرلمان وجوهاً لا علاقة لها بالإقليم مستفيداً من حالة الغفلة التى كانت، لم تصمد الخدعة طويلاً حتى أكتشفت، أطيحت بها فأتى الممثلون الحقيقيون.
فطن الإقليم لقضيته مبكراً فأسس كيانات سياسية أخذت فى التطور مع الوقت. والمجتمعات الأخرى حول جبال النوبة مع إختلاف مسمياتها لها قضاياها العميقة المتشابكة التى تستحق خطوة مماثلة، أو العمل على بناء قضية إقليمية واحدة، وهذا الحزب الذى بقى سيداً عليها، لم يفعل لها شيئاً حتى عندما كان فى سدة الحكم، إنما خطط لتحويل شبابها إلى مقاتلين يحمون ظهره، وزع عليهم السلاح ودفعهم إلى القتال، وبالتالى يكون مضافاً إلى قائمة مشاكلها.
مغادرة الإقليم عباءة الأمة دفع عبدالله خليل إلى رفض إشراكه فى حكومة ديمقراطية ما بعد أكتوبر ٦٤- كان ذلك مؤشر صدام أولاً- وبعد فشله عام ٨٦ فى إستعادة وزنه، إتته فكرة المليشيات التى إرتبطت بالتصفيات الجسدية لكوادر ونشوء موجات المغادرة وتفويج الآلاف سيراً على الأقدام إلى أرض التدريب بإثيوبيا، لبناء قضية أكبر ضد عقلية إدارة الدولة وقوة تقارعها بها.
خروج شباب جبال النوبة فى أغسطس ٢٠٢٠م لتسليم مذكرة رفض تعيين والى جنوب كردفان، ليس رفضاً لشخصه ولا لمكوّنه الإجتماعى الأصيل فى نسيج الإقليم – لا أحد منهم يفكر بهذه الطريقة – ولا لمؤهلاته وخبراته، بل شائبته الوحيدة البالغة الخطورة إقتران إسمه بهذا الحزب، ولأنه لم ينف إرتباطه بهذا الكيان الذى جلب المتاعب وأفسد تعايشاً سلمياً دام قروناً، فإن خبر قدومه حاكماً يرفع قرون الاستشعار، يعيد إلى الأذهان صافرات الخطر التى إنطلقت، وحثت الجميع على إتخاذ أقصى درجات الحيطة، وتحصين النفس بالتدريب العسكرى وحمايتها بالسلاح النارى، فالخبر المؤكد أن صاحب ذاك الثور قد تحول إلى مليشيا.
(نواصل….)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.