#تحيـــا_مصـــر. البقيـــة تــروح فى داهيــــة!

0 36

كتب: آدَمْ أجْـــــــــــــرَىْ

.

إن آلاف التعليقات المحلية الساخرة من قضية السودان التى لم يحصل لها على صوت واحد مؤيد فى مجلس الأمن، تؤكد خطأ تقديراته كبر إخفاقه وتكشف أن الجلباب الذى ظهر به كان مفصلاً على مقاس غيره.

حالة مصر كدولة ووضعيتها إستثنائيتان ذلك أنها دولة صحراوية معتمدة على الجوار الإقليمى، فى الحصول على مورد بخطورة الماء. ودول شبيهة بها تقوم بتحلية مياه البحر غير بعيدة. الحضارة المصرية قامت على هذا إمداد هذا النهر الهام حتى أن المؤرخ هيرودوت عبر عن ذلك بمأثورته الشهيرة : إن مصر هى هبة النيل. وسنفهم بعبارات أخرى: أنها هبة الموارد الأفريقية! القدماء كانوا لا يعرفون من أين ينبع النيل، ذلك أنه يأخذ المستكشفين القدامى فى مسيرة لا نهائية ومتاهات، يفشلون ويتلقفون التفسير الأسهل: أنه ينبع من السماء، من تحت العرش الإلهى، من الجنة، وقد صدقوا فى الأخير مع إختلاف المقاصد، ذلك أن منابعه جنان حقيقية. ليس الماء وحده الذى ظل يذهب إلى مصر إنما معه سيول الثروات ودونكم حملات الخلافة العثمانية التى كانت تنقل منهوباتها من جنوب الوادى لتشييد القصور الخديوية، تقوية الجيوش وحفر قناة السويس، وعلى الخلفية يتراءى الإجراء الأقدم المتمثل بمعاهدة البقط التى كان غرضها تأمين نفس المكاسب. هذا وغيره كان من طبيعة وسائل تبادل المنافع بين الأمم ولا أحد اليوم يلام عليه. الآن ورغم تبدل الصيغ، إلا أن شيئاً ما أبقى صناعُ السياسات المصريين– لا نعنى الشعب إنما الباحثين والأكاديميين- فى تلك المحطة التقليدية القائمة على إدارة الظهر لمحيطهم الإقليمى المحتضن لأهم مواردهم، أشواقهم بقيت محلقة فى أوربا والمحيط العربى أكثر من حوض النيل. لا توجد إستثمارات مصرية حقيقية فى السودان جنوبه وشماله، لا فى إثيوبيا ويوغندا، ولا فى كينيا وغيرها من دول الحوض بينما المصلحة البحتة والمصير يقولان أن عليهم السعى إلى بناء أحلاف تكاملات وشبكات مصالح مع هذه الدول، مصر والسودان وقعتا فى فخ التخيير ما بين الأفريقانية والعروبية، ذهبتا إلى الأخيرة، ووليا ظهريها للأولى. فى حين أن بعض مفكرى الأفريقانية قديما كانوا يعتقدون أن الإلتفاف حول مصر وإتخاذ حضارتها بجذورها نواة بناء، من شأنه تسريع نهضة القارة الأفريقية، بذلك كان مطلوباً منها تبديل طريقة تفكيرها وعملها بنقلهما إلى خارج الصندوق، منها التخطيط مع آخرين فى شأن حوض النيل ومستقبله، والتجربة تقول أن قضايا هذه القارة والشعوب المجاورة لها لا تهمها، لن نذهب بعيداً والسودان بحروبه الدائرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وإكتواء شعبه بجهنم الإسلامويين، لم يحظى بتآزر حقيقى من مصر، ولا قواه التى كانت تعمل بفعالية لوحدة السودان حصلت على دعمها السياسى إلى أن وقع الزلزال الاعظم بنشوء دولة جنوب السودان التى لا علاقة لها بأية أتفاقات سابقة بما فيها قسمة مياه النيل، فكانت فرصة للإجهاز على هذه الصفقة القديمة التى لم تحدد نصيباً إلا لدولتين إثنتين. إن تمكن إثيوبيا من تدبير ميزانية سد النهضة وشروعها فى تشييده ليس عملية إجرامية. لأنها ليست المرة الأولى التى تشيد سدود على أنهر مشتركة -تسع سدود كبرى على نهرى دجلة والفرات. ملئها ليس قضية خطيرة، ملأت تركيا أكبر سدودها عام ١٩٩٠م حتى كاد أن ينضب نهر الفرات، وسداً أخيراً عام ٢٠١٨م فكان أزمة عابرة لم تصحبها توترات أمنية، ولا تهديدات ولا رفع أمره لمجلس الأمن الدولى.

الإطاحة بهذه القضية فى نيويورك وإعادتها إلى الإتحاد الأفريقى فيها تذكير بليغ للدولتين أن عليهما حسن التصرف مع الجوار ذلك أن حلول مشاكلهما الأمنية والإقتصادية والتنموية تكمن فيه، وأن المخططين فى حاجة إلى مراجعة سياساتهم جملة وتفصيلاً، أهمها الكف عن إرهاب الشعب المصرى بمهددات لا وجود فالأشرار الذين لديهم القدرة على صد الطبيعة وايقاف جريان نهر لم يُخلقوا بعد. التفكير والعمل خارج الصندوق يؤكد أن ملايين الكيلومترات فى حوض النيل متاحة للإستثمارات المصرية، وأن تأسيس حلف إقتصادى وبناء رأس مال مشترك للعمل سيحققان تقاسم المنافع وسينشطان حركة المال والأعمال العابرة للحدود، وسيخلقان بيئة عمل أكثر تفاهماً تساعد فى نهضة الإقليم وفقاً لمنظور قادة الأفريقانية، أما مفهوم_تحيا مصر والبقية تروح فى داهية_ أنا وأخُويَا، على إبن عمى. فإنه يثبت كل يوم فشلاً جديداً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.