ثقافة القطيع !
كتب زهير السراج:
* انتشرت التهليلات والتبريكات والزغاريد على الفيس بوك والواتساب وجميع الوسائط الاخرى من غالبية السودانيين يوم أمس، على خلفية نشر صورة من خطاب باللغة الإنجليزية موجه من مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الامريكية الى وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية بتاريخ 25 فبراير الماضي (2020 )، اعتقده معظم الناس يتحدث عن صدور قرار أمريكي جديد بإلغاء الحظر الذى فرضته امريكا على السودان في وقت سابق بشأن التعاملات المالية، واخذوا يهللون ويزغردون ويملؤون الوسائط بالتهاني والتبريكات والتعليقات بدون فهم فحوى الخطاب أو ربما بدون قراءته (وإن كنت أرجح الخيار الأول)، وهو أمر مؤسف جدا يدل دلالة كبيرة على الضعف الشديد الذى يعانى منه الكثيرون في اللغة الإنجليزية، بالإضافة الى انتشار ثقافة القطيع بشكل مزرى في المجتمع السوداني ( أو على الأقل بين رواد الوسائط الإلكترونية )، فما ان ينشر أحدهم خبرا أو تعليقا (خاطئا أو كاذبا) نتيجة جهل أو فهم خاطئ أو عجلة أو استعجال، تجد عشرات الآلاف يحذون حذوه بدون فهم أو تريث أو ترو ــ وأخشى أن تصدر بعض الصحف السودانية اليوم وهى تحمل اخبارا بصدور قرار أمريكي جديد برفع العقوبات عن السودان!
* الخطاب المرسل من مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الامريكية الى وزير الدولة للخارجية السوداني (عمر قمر الدين) لم يتضمن أي اشارة بصدور قرار أمريكي جديد بشأن السودان، وانما هو رد على خطاب بعثه الوزير السوداني الى وزارة الخارجية الأمريكية يخطرها فيه بمواجهتهم لصعوبات في اجراء معاملات مالية تخص استئجار طائرة خاصة (رحلة طيران) من جمهورية الصين!
* وينبه الخطاب الوزير السوداني الى ان العقوبات الامريكية التي تحجر التعاملات المالية على السودان، قد رفعت منذ اكتوبر 2017 ، بالإضافة الى إلغاء حظر 157 كيان سوداني ما عدا قلة مرتبطة بجرائم ارتكبت في دارفور، وذلك لالتزام حكومة السودان بإيقاف العدائيات في مناطق الحرب، وتسهيل العمليات الانسانية بالإضافة الى التعاون في مكافحة الارهاب .. إلخ.
* ويضيف بان الولايات الامريكية تتفهم ان بعض المؤسسات المالية والكيانات الاخرى قد يكون لديها اسئلة واستفسارات بشأن رفع العقوبات. ويوجه الوزارة السودانية بتبادل المعلومات الواردة في موقع مكتب العقوبات على الانترنت في هذا الشأن مع دولة الصين أو أية جهة أخرى، أو الاتصال بمكتب العقوبات ..الخ، للاطلاع على تفاصيل القرار الذى قضى برفع الحظر على المعاملات المالية على دولة السودان منذ اكتوبر 2017 .
* من المؤسف والمزعج جدا ان تسئ الغالبية فهم هذا الخطاب وتعتقد انه يتحدث عن صدور قرار أمريكي جديد برفع العقوبات عن السودان، بينما هو رد من مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الامريكية على خطاب مرسل من وزير الدولة بوزارة للخارجية السودانية الى وزارة الخارجية الامريكية بشان حدوث صعوبات في تعاملات مالية مع جمهورية الصين تتعلق باستئجار طائرة لرحلة خاصة!
* كما ان العقوبات التي هلل البعض يوم امس لرفعها، وملأوا الوسائط بالتهاني والزغاريد والتعليقات كانت قد رُفعت منذ اكتوبر عام 2017 ، وليس هنالك أي قرار أمريكي جديد بشأن السودان، وهو ما ينبه إليه خطاب مكتب العقوبات الأمريكي ويوجه وزارة الخارجية السودانية الى لفت نظر الكيانات التي تتعامل مع السودان الى هذا الموضوع !
* بصراحة شديدة .. نحن في حاجة الى وقفة كبيرة مع النفس ومراجعة طريقة تعاملنا مع الوسائط وما يُنشر فيها، حتى لا نُفاجأ ذات صباح باستطالة آذاننا وتدليها على جانبي وجوهنا، والصياح (ميع ميع) بدلا عن الحديث مع بعضنا البعض !