جبريل إبراهيم في الجبهة: صِفتو ونِعتو!

0 85
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
تواترت أمس الأول صور الفريق أول جبريل إبراهيم وقياداته العسكرية وطواقم حراستهم يتفقدون خطوط قواتنا المسلحة عند جبهة الفشقة. وسألت من جاء بالصورة إلى مجموعتنا: “صِفتو؟” أي بأي صفة قام بهذه الزيارة؟ قالوا إنه قائد لجماعة مسلحة سالمت. قلت وهل هذا ترخيص لكل قائد فصيل مسلح سالم، وهمو كثر، بتفقد الجبهة؟ وهو الجيش دا يحارب ولا يستقبل ويفرج ويودع بمثل ما استقبل به؟ قيل إن خليل زار الجبهة من فرط غيرته على الوطن. سألت: وهل كل غيور على الوطن مدعو لتفقد الجبهة ويشغل الجيش يستقبل وهلمجر.
وددت لو كانت زيارة جبريل وطاقمه هذه لدارفور لمّا علمت أنه لم يطأ بعد أرضها التي قاتل من أجلها. وددت لو جلس إلى أهلها وتفاكر معهم في سبل استصحاب القائد عبد الواحد محمد نور إلى موكب سلام جوبا. فما ضر هذا السلام إلا تقدم رجل جبريل وتأخر رجل عبد الواحد. وليس من خدمة يسديها جبريل لقواتنا في الجبهة أغلى من لملمة شعث الحركة المسلحة في دارفور.
لي كلمة قديمة منذ ٢٠١٣ حاولت فيها فهم هذا “الخمج” الذي أصاب الحركات المسلحة خلال النضال ضد الإنقاذ. ونسبته للمناضلين المدنيين الذين أعفوها من كل مؤاخذة طمعاً في “الانتفاضة المحمية”. فلا يسألها سائل على ما قالت برهانا بنظرية لا معارضة لمعارض والكفاح المسلح درجة. فإلى الكلمة:
لعل من أفدح ما ترتب على الحرب المتطاولة أن صار المثقف الوطني فاقداً سياسياً كبيراً. وأعنى بهذا المثقف ذا النظر المحيط الذي، في تعريف إدوارد سعيد، يصدع بالحق ويأخذ سائر أهل الشوكة بغير رحمة. فقد فرضت الحرب وتجفيف المجتمع المدني وضعاً صار به المثقف عالة على أطراف الحرب. فصار في تباعة حملة السلاح في الهامش معطلاً نقده (إن وجد) إلى يوم تسقط الإنقاذ. بل صارت صفة أكثرهم النيلية العربية سبباً للاستحياء من الحق. وانتهز ثائر الهامش هذه الصفة لترويعهم وإخذائهم والتشهير بهم ل”إسلاموعروبيتهم” حتي لو نفضوا طرفهم من الإنقاذ. فالفي والدك تقالدك.
وصار الهامش المسلح عجلاً مقدساً. يفعل ما بدا له ولا معقب. وخضعنا طوال العقود الماضية لابتذال غير عادي باسم الثورية والتغيير جعل السياسة مسرحاً كبيراً للامعقول. ونضرب مثلاً. فبينما تتلاحق الإدانات والرجاءات حركة العدل والمساواة أن تطلق أسراها (34 عددا) من حركة المرحوم بشر محمد التي انشقت عنها، نشر سيف مساعد، من عتاة إعلامييّ العدل والمساواة، على الإنترنت خبراً حزيناً عن من لقي ربه أسيراً لدي الحركة. فنشر عن إدارة الشؤون الإنسانية بالحركة وفاة المقدم مهدي حامد احمد حمد من منطقة السميح في ولاية شمال كردفان في يوم 24 مايو 2013. وكان المقدم أسيراً لدى الحركة منذ العام 2007 بعد معركة جلجلا في ولاية غرب دارفور. وجاء سبب الوفاة إصابته في قصف جوي من الإنقاذ على الحركة في معركة أم قرناً جاك.
لم يقبل مساعد ممن قرعه بلطف أو شدة على هذا الفعل المنكر. فلا يكفي أنهم أسروا المرحوم لخمس سنوات فحسب بل عرضوا حياته للخطر باستصحابه إلى ميدان معارك لم يعد له دخلاً فيها. وألقى سيف بعصاتهم المضمونة وهي قولهم إن سجل الحركة في أسراها أفضل من الإنقاذ. ثم جاء وأعوانه بصورة لأسير عليه آثار تعذيب مؤلمة واضحة قالوا إنها من فعل الإنقاذ. وتدخل صلاح جادات، وهو من عتاة إعلاميّ الحركة أيضاً، ليعلق على صورة لأسير قيل إن لإنقاذ عذبته فقال: “تعالو شوفو بشاعة معاملة الإنقاذ للأسرى”.
ودعا أحد المناصرين لجادات لكي يأتوا بفديو للعقيد قرنق، يلحقنا وينجدنا، يخطب في أسرى من الدفاع الشعبي ليعرف الناس نبل الهامش المسلح وعنايته بأسراه. وخطب قرنق يؤمن الأسرى على حياتهم. وبدا لي من دلائل واضحة أن الفيديو من صنع علاقات قرنق العامة. ما همانا. وفي هذا الفديو يفخر قرنق بأنه من فرط عقيدته في وحدة السودان كان أول قتلى حركته جنوبيين انفصاليين. ويجد بعضنا في قرنق رأفة مرموق بالأسرى ولا يمانع في شرعته في قتل حامل الرأي المخالف من خاصة أهله.
قال أكاديمي يهودي إن إسرائيل وجدت في الهولكست سبباً لتسير في طريق الرداءة إلى نهاياته القصوى. وجعل مسلحو الهامش من الإنقاذ ذريعة لتنكب الطريق والإفراط في الرداءة. ويقبل مثقفو المعارضة من اليساريين بالذات بتلك الرداءة في الأسر الإجمالي الجزافي طويل المدى العادي، زي الزبادي. ولا يطرأ لهم أن استحسانهم مثل هذا المنطق الفاسد (أينا أبشع: ثوار الهامش أم الإنقاذ؟) هو بداية التنصل عن الثقافة. هو تخثر الذوق. وخيانة الثقافة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.