حرب السودان في شهرها الثامن سيطرة عسكرية للدعم السريع ومناورات سياسية للجيش

0 445

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
ذوالنون سليمان
تقديم : لازال خيار الحسم العسكري للصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع هو المسيطر على مسارات الازمة السودانية بعد مضي ثمانية شهور على بدايتها، على الرغم من تعدد المبادرات والمجهودات الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق حل سياسي ينهي أكبر كارثة إنسانية معاصرة وفق تقارير المنظمات الدولية.
تحليل
الواقع الميداني يعزز سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء كبيرة من البلاد ، على نحو يؤهلها لمشاطرة البرهان حكم البلاد، وذلك من خلال سيطرتها على أجزاء واسعة من منطقة غرب السودان ” دارفور وكردفان “، وتمددها في الولايات الوسطية “النيل الأبيض والجزيرة” وانتشارها الكبير في ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث “الخرطوم ,بحري ,أمدرمان ” وسيطرتها على المواقع والمرافق السيادية مع محاصرة الجيش طوال فترة الحرب في مقاره الرئيسية الآيلة للسقوط. بينما نجد البرهان معتصماً بعاصمته الإدارية الجديدة في بورتسودان، أقصي الشرق ، التي لم تشهد ولاياتها أي مواجهات عسكرية حتى الان ، لتصبح جغرافيّة السيطرة على النحو التالي: مناطق شرقية شمالية تحت سيطرة الجيش ومناطق غربية جنوبية خاضعة لقوات الدعم السريع , يتقاسم فيها السيطرة مع حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد في أجزاء محدودة بمناطق جنوب كردفان وجبل مرة.
مع إرهاصات انتقال المعركة الي الولايات الشرقية والشمالية بعد سقوط حاميات الجيش في الغرب , يعول قادة الجيش وشركائهم الإسلاميين لوقف تقدم قوات الدعم السريع عبر فتح جبهة قتال أهلية في دارفور علي أساس عرقي وذلك بعد انحياز عدد من حركات دارفور المسلحة الموقعة علي سلام جوبا للجيش ضد الدعم السريع ، لم تنجح المحاولة حتى الان نسبة لرفض القيادات العسكرية الامتثال لموقف قيادتهم السياسية ، ويعود ذلك الى تفاهمات سابقة لهم مع الدعم السريع ، ولمخاوف تتعلق بعوامل الانتصار المرجحة لموقف الدعم السريع ” الجاهزية والإمداد والدافع ” ولقناعات سابقة من تجارب ماضية دفعوا فيها ثمن حروب قيادتهم السياسية الخاصة من أجل المواقع الدستورية ، ليبقي رهان الجيش متوقفا على فعالية العمليات النوعية ، والطلعات الجوية كاستراتيجية لاستنزاف قوات الدعم السريع وإضعافها قبل المواجهة المباشرة .
سياسياً، لا يزال منبر جدة عاجزا عن إحداث اختراق كبير في مسار المباحثات المباشرة بين طرفي الحرب لتحقيق وقف إطلاق النار وذلك بسبب تمسكهم بثوابتهم التفاوضية ، المعلنة ، والمتمثلة في تمركز القوات ونقاط تجميعها وآليات المراقبة ، وأهدافهم المستترة ، وتتمحور في رغبة الطرفين علي الاستحواذ علي عناصر القوة في الدولة وعدم تجديد شراكتهم السابقة في السلطة عبر مسمي المكون العسكري .
علي المستوى الوطني والإقليمي ، شهد السودان حراك داخلي وخارجي لمعالجة الأزمة واحتواء آثارها، فقد أعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، عن إعلان مبادئ ينهي الحرب ويؤسس للحكم المدني الديمقراطي عبر حل سياسي متفاوض عليه , يتم التوقيع عليه من قبل القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوى المدنية كافة عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية وواجهاتها، كأساس ملزم للعملية السياسية., وشددت خارطة الطريق التي أعلنها تحالف “تقدم “على عقد اجتماع تشاوري تحت رعاية الميسرين الإقليميين والدوليين يضم الجيش والدعم السريع والقوى المدنية لتصميم عملية سياسية شاملة لحل النزاع وتحديد دور الوسيط والأطراف والقضايا والضامنين والمسهلين استنادا على خارطة الطريق وإعلان المبادئ للحل السياسي المتفاوض عليه.
التطور النوعي في الحالة السودانية كان إعلان تأسيس الإدارة الشعبية لتقديم الخدمات للمواطنين، في مناطق سيطرة الدعم السريع بمبادرة من مهنين وقادة شرطة وامن ومواطنين في مختلف المجالات, وأوضح الإعلان التأسيسي للإدارة
الشعبية أنها ستقوم بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتوفير الحماية للمدنيين في المناطق الأكثر تأثراً بالحرب في كلٍ من ولاية الخرطوم، وكردفان، وولايات دارفور، وأجزاء من ولايات الجزيرة والنيل الأبيض والشمالية، التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم سريع، بالتنسيق معها. وأشارت المبادرة الشعبية إلى أنها ستعمل وفقاً لأعراف أهل السودان والقانون الدولي الإنساني، تخفيفاً لمعاناةِ الشعب السوداني , مما يعني عمليا بداية الدعم السريع في تشكيل سلطته المدنية , واقتراب الحالة السودانية من النموذج الليبي , سلطتين منفصلتين داخل الدولة الواحدة ..
دوليا، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اللوم بشكل مباشر في الأزمة السودانية المستمرة ومعاناة المدنيين على القادة العسكريين المتحاربين في البلاد وداعميهم من دول الاقليم.
وعقد الامين العام للأمم المتحدة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي مؤتمرا صحفيا في ختام المؤتمر السنوي السابع للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في نيويورك، حملا فيه المكون العسكري مسؤولية عرقلة الانتقال الديمقراطي في البلاد ، والاطاحة بالحكومة المدنية في اكتوبر .2021 , وهي مؤشرات تدلل علي نفاد صبر قادة المؤسسات الدولية والإقليمية وقابلية طرح الحرب في السودان كمهدد للأمن والسلم الإقليمي والدولي ,وتصنيف الازمة ككارثة إنسانية تستدعي التدخل . .
الخلاصة:
مع اقتراب موعد انعقاد قمة الإيقاد حول السودان ، وتعهدات البرهان الأخيرة بالعمل وفق مبادرة الاتحاد الافريقي ومنظمة الايقاد لتحقيق السلام وذلك بالتعاون مع منبر جدة ، ومع الترحيب المسبق لقوات الدعم السريع بهما ، إلا أن مجريات الاحداث داخل قيادة الجيش وحاضنته الإسلامية الرافضة لاي حل سياسي لا يحقق مصالحها تقلل من نجاح هذه الجولة ، وتمهد لدورة أخرى من العنف بين طرفي الحرب ، بكل مخاطر تحولها لحرب أهلية شاملة ، في وضعية قد تفرض على الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة القيام بخطوة تتجاوز عملية صنع السلام مع شركاءها الي فرضه , وذلك من أجل إنها الوضع الإنساني الكارثي المتصاعد ولمنع تحول الصراع إلى حرب اهلية طاحنة تتأثر بها وحدة البلاد واستقرار المنطقة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.