حزب البعث متمسك باللاءات الثلاث!!

0 122
كتب: د. النور حمد
.
شاهدت فيديو مبثوث على شبكة الإنترنت للسيد، علي الريح السنهوري أمين سر قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، القطر السوداني. في هذا الفيديو رد السيد السنهوري على ما ذكره السيد رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان في اللقاء الذي أجراه معه الأستاذ لقمان أحمد، مفندًا الزعم بأنه قد جرت مشاورته في قضية التطبيع مع إسرائيل. وأضاف السنهوري انهم يرفضون بصورةٍ مبدئيةٍ أي اتصال أو حوار يجري مع “الكيان الصهيوني”. مؤكدا أنهم في حزب البعث لا يزالون متمسكين باللاءات الثلاث، التي أقرها مؤتمر القمة العربية الرابع، الذي انعقد في الخرطوم في 29 أغسطس 1967، بعد ما يقارب الثلاثة أشهر من هزيمة يونيو.
أكثر ما لفت نظري في البيان ذي الطبيعة الإنشائية الصدَّامية، إعلان السيد، علي الريح السنهوري، تمسُّك حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر السوداني بـ “لاءات الخرطوم الثلاث”: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف مع دولة إسرائيل”. ولم يشر السيد السنهوري إلى أن هذه اللاءات قد نسفتها دولة المواجهة الرئيسية، مصر، باتفاقية كامب ديفيد بينها وبين إسرائيل في عام 1978. ووجه لها الفلسطينيون، أهل القضية أنفسهم، أكبر صفعة بتوقيعهم اتفاقية أوسلوا مع إسرائيل في عام 1993. ثم تلت ذلك الأردن بتوقيعها اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل في عام 1994. وأخيرًا باتفاقيتين حديثتين، جرى توقيعهما بين دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل في شهر أكتوبر الجاري. ودعنا لا نذكر اتفاق السودان، موضوع الجدل الثائر حاليًا، حتى تكتمل فصولها.
مع تجاهل السيد على الريح السنهوري لكل هذه الاتفاقيات، تجاهل أيضًا أن العراق قد وقع، بسبب التَّخبُّط الصدَّامي البعثي، والتخبُّط الأمريكي، في قبضة إيران منذ 2003. وها هي سوريا قد تحوَّلت على يد البعث إلى خرائب ترزح تحت قبضةٍ حديديةٍ لأوليغاركية أسرية يسيطر على مجريات الأمور فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إن المرء ليعجب أن يمارس سياسيٌّ مخضرمٌ متمرِّسٌ في العمل السياسي كالسيد علي الريح السنهوري، الهروب إلى الأمام من صدمة تحطم الحلم البعثي القومي عبر ما يقارب الخمسة عقود، بهذه الصورة العاطفية التي تستدر الشفقة والرثاء. لكنها الأيديولوجيا التي تجعل المرء يتجاهل الواقع الموضوعي الحي ليعيش في السرديات النافقة. لقد تحدث السيد علي الريح السنهوري، وكأن كل تلك الأحداث وكل تلك الاتفاقيات التي نسفت لاءات الخرطوم الثلاث، لم تحدث قط.
لقد نازعني عدد من المؤدلجين في حديثي عن “التكلس اليساروي”. لكن، ها هو السيد على الريح يقدم لنا أسطع الأمثلة لما أسميته “التكلس اليساروي”. لقد خرجنا بثورتنا من حفرة جعل السودان منصةً لمشروع إخواني، إسلاموي، أممي، عابر للأقطار، لنُفاجأ أن في حاضنتنا السياسية، وفي مجلس السيادة، وفي عديد المواقع الرسمية من تنفيذية وإعلامية، أشخاصٌ يعملون في خدمة مشروع قومي عربي عابر للأقطار، يستخدمون فيه السودان مجرَّد منصةٍ للانطلاق نحو الخارج، شأنهم شأن الإسلامويين. يقتضي التمسك باللاءات الثلاث أن يكون الرافضون للصلح والاعتراف في حالة حرب مع إسرائيل. فأين هي هذه الحرب الآن، بل أين هي دول المواجهة التي تحارب؟ لم أر في حياتي انفصالاً عن الواقع كالذي رأيته وأنا أشاهد هذا الفيديو للسيد، علي الريح السنهوري. على جماعة البعث، إن كانوا صادقين، أن يستقيلوا من جميع المواقع السيادية والتنفيذية وغيرها، التي تسربوا إليها في غفلة من أصحاب الثورة، وأن يعودوا إلى جماهيرهم المزعومة، لوضع الثورة، من جديد، في الطريق الصحيح الذي يرونه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.