حقوق مصر التأريخية، في جنوب السودان و إثيوبيا و السودان

0 58

كتب: أتيم قرنق ديكويك

.

حقوق مصر التأريخية، في جنوب السودان و إثيوبيا و السودان: تجديد و تحديّث اتفاقيات مياه النيل و تجنيد السُّود واتفاقية البقظ!

يقوم بزيارة رسمية للبلاد هذه الأيام، وفدٌ وزاريٌ مصريٌ عالي المستوي، يقودُه وزيرُ الموارد المائية و الرّي المصري الدكتور محمد عبد العاطي، و نرحّب بكل أعضاء هذا الوفد. و حسب الأنباء فإن هدف الزيارة ينصب علي (مسألة) سد النهضة الإثيوبي و القضايا المتعلقة بمياه النيل. و لستُ علي دراية عن الدور الفعال الذي يمكن ان تلعبه حكومة جنوب السودان في حلحلة أو مساهمة في إنهاء الخلاف حول أزمة سد النهضة (و من بينها مسألة الملء الثانية لبحيرة السد) و ذلك لعدم إمتلاكنا لأي ورقة من أوراق الضغط علي اثيوبيا حسب ما تريدها مصر!

لا أتصوّر كيف سيكون موقف حكومة جنوب السودان، مع العلم بتآسد و تصلب الموقف المصري، و الذي يلوح باللجوء الي الخيار العسكري، من أجل فرض إرادتها و رؤيتها علي إثيوبيا، و بالضرورة و بالمنطق و التبعية سيتم تطبيق ذلك الموقف و الرؤية و الحل المصري (لازمة) سد النهضة علي المشروعات المائية االمستقبلية في جنوب السودان متي رأت مصر ان تلك المشروعات أُقيمت بدون موافقتها وإعطاءها الضوء الأخضر!
. أتمني ان تكون سلطات جنوب السودان مدركة بهذا السناريو المجحف بحقوقنا المائية المستقبلية. علي ضوء هذا السناريو لا بد ان نبني موقفنا و رأينا حول (قضية) سد النهضة (المفتعلة) بوضوح يعكس بصدق و شفافية، لا يقبل اَي تأويل لا يتماشي مع مصالح شعبنا حاضراً و مستقبلاً. أتوقع ان تكون إقامة سد (فولا) في جنوب السودان لتوليد الطاقة الكهربائية احدي الموضوعات التي تمت التباحث حولها مع الوفد المصري الزائر. ان إقامة اكثر من سد لتوليد الطاقة الكهربائية من أجل تنمية بلادنا لا بد ان تكون دائماً من أولوياتنا فيما يتعلق بمشروعات تطوير المياه لدينا.

يقوم الاعلام المصري حالياً، و الذي نتمكن من الحصول علي بعضه من خلال (الإنترنت)، بالترويج المخل و الغير صادق للأوضاع السياسية و الأمنية و الإقتصادية في أثيوبيا. و مواضيع هذا الأعلام تتركز حول الحرب الدائرة حالياً في إقليم التيغراي الإثيوبي، و تصور و تضخم علي انها ستنهي وجود الحكومة الإثيوبية الحالية بقيادة آبي أحمد، و تتبعها بالضرورة انهيار الدولة الإثيوبية. و يمكن القول، إذا تحقق هذا الحلم المصري، فحتماً سيكون النهاية الأبدية المطلوبة لقضية سد النهضة، و تترتب علي اثرها قيام مصر (بتجديد) اتفاقيات مياه النيل الازرق مع الدويلات الجديدة، التي سوف تقام علي انقاض الدولة المنهارة.
التصورة الآخري التي تُشتل في عقول المصريين بشكل يومي عن إثيوبيا، هو الموقف الإثيوبي من محادثات سد النهضة، حيث يستخدم كلمات تأجج و تكرس الكراهية ضد اثيوبيا، لان اثيوبيا تعكس إعلامياً بأنها دولة شريرة أقامت السد من أجل الإضرار بمصر و السودان و لذا ( تتهرب،و تتعنت، متذبذة، مراوغة، مضياعة للزمن، غير صادقة). و المياه التي تريد اثيوبيا حجزها خلف السد بلا وجهة حق، هي من حقوق مصر التأريخية!
و الترويج الأخير، هو رسم ذهني زائف للمواطن المصري، عن مساوئ السد. تصّور إقامة السدّ علي انها تستند علي أساس غير علمي و سد تداعياته و أضراره غير (مدروسة) و تنقصه الدراسات العلمية و ليس مضمون مثل السد العالي. تخيل: السد العالي تم تصميمه و بناؤه قبل نصف قرن من قيام سد النهضة المعتمد في تصميمه و بنائه علي احدث تقنيات هندسة السدود. هذا زمان الإنترنت و الاقمار الصناعية المتخصصة في كل مجال و الاعلام المصري يضلل في شعبه.

فيما يختص بجنوب السودان فالإعلام المصري يكتب عننا علي أساس (أناس) يحتاجون لبعض المساعدات من غذاء و دواء و شئ من ذلك القبيل! و يعكس هذا الاعلام قناة جونقلي كقناة مصرية (مائة في مائة) يمكن (إستئناف) او (يتم) حفرها متي توفرت الأموال، او (اعادة) و (تجديد) العمل في قناة جونقلي. و المثقفون المصريون يقفون حائرون كيف لا تقف جنوب السودان معهم رغم هذه المساعدات المصرية! و كيف لا يمنحون ويسمحون بحفر قناة جونقلي و التي هي إحدي حقوق مصر التاريخية؟ أليس هذا جحوداً؟و هذا يعني ان التصور المصري لجنوب السودان هو التصور القديم و لكن التعامل هذه المرة ستختلف عن المرة الماضية. هذه المرة لا بد من استغلال جنوب السودان ليس عن طريقة قنص الرجال السود الأقوياء لتجنيد في الجيش المصري او العمل كعبيد في مزارع قصب السكر و القطن في مصر؛ و إنما من خلال ترغيب و ترهيب جنوب السودان وتقبل بالتبعية وتمنح لمصر كل ما تريد عملها من مشروعات مائية علي النيل داخل أراضي جنوب السودان، و نحن (صاغرون). من خلال هذا الاعلام المصري، نستشف علي ضوء توجهاته، إن مصر تريد جنوب السودان دولة فقيرة و مريضة و ضعيفة و غير مستقرة سياسياً و اقتصادياً و استراتيجياً و أمنياً حتي لا تكون اثيوبيا أخري في حوض نهر النيل.

أما عن السودان، فالمصريون يعتقدون ان الأوضاع السياسية و الأمنية و الاقتصادية التي تمر بها السودان حالياً تجعلها سهلة الإحتواء. و بحسابات بسيطة، يمكن إرجاع السودان الي (حظيرة الخدويوية)؛ و تصير الحلايب من ضمن حقوق مصر التأريخية. و فعلاً تمت تجديد اتفاقية (البقط)، و لكن بأسلوب حديث،يقوم السودان بموجبه باستضافة الجيش المصري في قاعدة مروي العسكرية، و أن تشكل الجيش السوداني رأس الحربة لقوات المشاة لو إندلعت حرب المياه مع اثيوبيا.

و من خلال الإعلام المصري، يمكنك أن تستنتج توجه مصر، التي لا تكترث بما يمكن ان تصيب سدود السودان من أضرار اذاما اندلعت حرب المياه. السناريو الذي تريده مصر ربما كان تدمير سد النهضة تدميراً أبدي، لكن ماذا سيكون مصير سدود السودان، خزان الرصيرص و خزان سنار و خزان جبل أولياء و خزان خشم القربة إلخ؟ و ماذا يضير مصر اذا صارت السودان بلا سدود؟ هذا هو تجديد و تحديث إتفاقية البقط، حين تتدفق و تنساب المياه خلال السودان الي مصر. لا سدود تحجز مياه من خلفها و لا ترعة تخرج منها قطرة ماء داخل السُّودان. التأريخ يبدو أنه يعد نفسه: كم من القرون تدفقت ثروات السودان الي مصر من خلال بنود اتفاقية البقط؟ و كم تدفقت الي مصر من ثروات السودان و جنوب السودان خلال عهد الإحتلال و الإستغلال التركي المصري؟

علي كل حال: نتمني أن يتواصل الحوار و تستمر المحادثات و ان يسود السلام و الاستقرار في المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.