حوار جبريل إبراهيم

0 66
.

في برنامج “حوارات البناء الوطني” بتلفزيون السودان الذي يقدمه الأستاذ لقمان أحمد شاهدت مساء أمس الأول الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية يتحدث عن نتائج مؤتمر باريس، كان منشرحاً ومتفائلاً وسعيداً لكن لفت نظري أمر عجيب..

في سياق تشويقه للشعب السوداني وتسويق المستقبل الذي ينتظره على يد الحكومة الانتقالية تحدث جبريل عن الطاقة الكهربائية وقال أن 36% من شعب السودان يتمتعون بها، والبقية تكابد الظلام الحضاري – التعبير من عندي – و تتمنى الحكومة أن توسع دائرة الضوء ليرتفع الرقم إلى 80%.. ثم عرج على التعليم والصحة وغيرها من الخدمات ، ولكن في كل واحدة منها كان يضع الاستدراك الواقي من المحاسبة والمسؤولية بقوله ( لو قدرنا!)..
مثل هذا الطرح يجعل الحكومة حاكمة والشعب مجرد مغلوب على أمره عليه أن يقبل القسمة والنصيب ..

أولاً: من الذي حدد الأرقام المستهدفة في هذه المجالات؟ هل هو شخص أم جهة اعتبارية؟ و أياً كان، على أي أساس رسم خارطة الطريق بهذه الأرقام؟
الإجابة على هذه الأسئلة مهمة لأنها ترسم العلاقة بين الحكومة والشعب.

ليس من الحكمة أن تُلقي الأرقام على عواهنها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخطط والمستقبل، لأنها أشبه بكتابة “شيك” يستلزم التحقق من الرصيد..
ثم لا يقبل عقلاً ولا منطقاً أن تكون هذه الأرقام – حتى ولو تطوع بها د. جبريل نفسه – متروكة لمحاسن الصدف تحت طائلة (لو قدرنا).. فالخطط هي عقد اتفاق وتعاقد، مرتبطة بـ”شروط جزائية”.. من لا يستطيع إنجاز ما خططه عليه إفساح الطريق لآخر قد يكون أكثر كفاءة في إنجازه..

لهذا ظللت أكرر هنا وأدعو لآلية تخطيط مركزية قادرة على التفكير والتخطيط بلا تأثير من الجهاز التنفيذي، بالتحديد هي “المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي” وحتى لا يختلط الأمر على البعض فالمجلس يختلف عن الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي، الأمانة هي الجسم التنفيذي والمجلس هو الجسم الواسع الذي يتولى التخطيط و ابتدار مشروعات القوانين المساندة للتخطيط..

وعندما تصدر الخطة الاستراتيجية من المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي فهي تصبح “برنامج الدولة” الذي تلتزم به الحكومات المتعاقبة كل على قدر ما يليها من خطط تنفيذية مباشرة.. والذي يمسك بالقلم الأحمر ليراجع الأداء ويقارنه بالمستوى المعياري المطلوب هو المجلس نفسه وليس الحكومة، حتى يستطيع الشعب أن يقرر مدى صلاحية الحكومة لإنجاز الخطط.

من الحكمة التعامل مع التخطيط الاستراتيجي ليس لكونه خارطة طريق نحو المستقبل فحسب، بل ولأنه المنصة التي تسمح بتوافق قومي سوداني يعلو على المصالح السياسية والشخصية الضيقة، عندما تصبح الحكومات خادمة للشعب مهمتها الأساسية تنفيذ الخطط التي يجب عليها تنفيذها لا تقديم الأعذار أو محاولة “تخفيض السقف” لما يناسبها.. لا ما يناسب طموحات الشعب السوداني.. فالشعب هو “المالك” والحكومة هي “المقاول” ولا يعقل أن يحدد المقاول للمالك شكل ودرجة رفاهية البيت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.