خطاب حمدوك: وأين الضوء في نهاية النفق؟
1
لم يأت حمدوك بجديد في خطابه ، كما لاحظ الكثيرون ،فسياسة التحرير الاقتصادي التي سارت عليها حكومتة امتداد لسياسة النظام البائد ، وهي التي قادت الي الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والضائقة المعيشية الحالية، اضافة لانفلات الأمن، وعدم المؤسسية، والانحراف عن انجاز مهام الفترة الانتقالية، وخرق الوثيقة الدستورية “المعيبة” ، اضافة الي أنه لم يتخذ قرارات تصب فى مصلحة تنفيذ أهداف ومهام الثورة .فقد فرض أسعارا عالمية للوقود!!! رغم أن حوالي 60% من هذا الوقود إنتاجه محلي، فالحكومة تحقق أرباحا هائلة من الوقود وصلت إلى حوالي 300 مليار جنيه سوداني ، مما يدحض مزاعم الحكومة في دعم الوقود.
فقد جاء خطاب حمدوك انعكاسا للازمة التي فجرتها القرارات الاقتصادية الأخيرة بالزيادات حوالي 100% علي المحروقات مما جعل الحياة لا تطاق، ولم يشر حمدوك للمؤتمر الاقتصادي الذي بذلت فيه قوي الثورة جهدا كبيرا ، وقدمت مقترحات كانت كفيلة أن تشكل مخرجا من الأزمة الاقتصادية التي خلفها النظام المباد ، وتجاهله لتوصيات المؤتمر، وسار في سياسات النظام البائد في تنفيذ شروط صندوق النقد والبنك الدوليين باعتبارها الخيار الوحيد والدواء الوحيد !!، علما بأن دول كثيرة رفضت شروط الصندوق القاسية، وعبرت ، ولكن حكومة حمدوك لم تعبر بل غرقت في سياسات عبد الرحيم حمدي ومعتز موسي السابقة التي أدت للاطاحة براس النظام في ثورة ديسمبر، علما بأن هذا الخيار جربه شعب السودان لأكثر من اربعين عاما وكانت النتيجة الخراب الاقتصادي والافقار ، وكما يقول المثل ” من جرب المجرب حاقت به الندامة”، كما لم يقدم حمدوك مخرجا سوي المزيد من الخضوع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين.
2
لم يوضح حمدوك أين ذهبت الأموال المستردة من التمكين وكيف تم صرفها، وضرورة تسريع الخطوات لاستعادة الأموال المنهوبة وتفكيك التمكين ، وضم شركات الذهب والبترول والجيش والدعم السريع ، والاتصالات والمحاصيل النقدية ، وشركات الماشية للدولة ، بل لم يتطرق للآزمة التي نشبت بين لجنة التمكين ووزير المالية الذي نكر استلام اموال التمكين،وضرورة التقصي في أين ذهبت الأموال المستردة ؟ وتغيير العملة ، ولجم نشاط الرأسمالية الطفيلية القديمة والجديدة، ودورها في الأزمة، فضلا عن دخول الدولة في تجارة السوق السوداء من خلال مزاد العملة ، وأصبحت منافسا لتجار السوق السوداء ، مما أدي لاستمرار الارتفاع في قيمة الدولار وتراجع الجنية السوداني وارتفاع التضخم مع تحرير الأسعار.
لجأ حمدوك للتبريرات مثل الديون المهلكة ، والخزينة الفارغة الموروثة من النظام البائد ، وجائحة كورونا، والحديث عن ضوء في أخر النفق لايسنده دليل ، كما اشرنا جربنا سياسات التقشف والضغط علي جيب المواطن، وكانت النتيجة مزيدا من الخراب والظلام.
ومن عجب أن يتحدث حمدوك أن من انجازاته سلام جوبا ألجزئي والذي رفضته جماهير دارفور والمنطقتين وتحول لمحاصصات ومناصب ووظائف مثل الاتفاقات الجزئية السابقة التي عملها النظام البائد مثل : نيفاشا وأبوجا والدوحة، وكانت النتيجة فصل الجنوب وتعميق الحروب في دارفورة والمنطقتين، بدلا من الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة .
3
أما العزلة عن السودان فقد بدأ فكها بقيام ثورة ديسمبر والاطاحة برأس النظام البائد ، ولكن حكومة حمدوك سارت في سياسات النظام البائد الخارجية التي أدت للعزلة ، وكيف يتم فك العزلة وجذب الاستثمارات في ظل انعدام الأمن والاستمرار في سياسات النظام البائد في الاحتفاط بمليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات ومليشيات “الكيزان” من كتائب ظل ودفاع شعبي، ووحدات جهادية طلابية.الخ، مما يهدد وحدة السودان ومحيطة الأقليمي، وخطورة تحويل البلاد الي يمن أو ليبيا أخري، جراء انتشار المليشيات، بدلا من الاسراع في الترتيبات الأمنية بحل كل المليشيات ، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، والقصاص للشهداء في مجزرة فض الاعتصام وبقية الشهداء ، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وتقديم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.
هذا اضافة للخضوع للابتزاز في رفع العقوبات في دفع تعويضات عن جرائم ارهابية ليس مسؤولا عنها شعب السودان ، والتطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل الرفع من قائمة الارهاب ، استجابة للمطامح الشخصية لنتياهو وترامب الذين ذهبت ريحهما تصاحبهما لعنات الشعوب، اضافة للتفريط في السيادة الوطنية بقيام القواعد العسكرية الروسية والأمريكية، واستمرار ارسال الجنود السودانيين لمحرقة حرب اليمن، والتدخل في الحرب الليبية، والمناورات العسكرية مع مصر في ظل احتلالها لحلايب وشلاتين!!.الخ، بدلا من قيام علاقات خارجية متوازنة، مما يؤسس لمنهج راسخ في فك العزلة عن السودان.
4
كما تحدث حمدوك عن إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني ، ولكنه لم يشر لأهم نقطة وهي تخفيص منصرفات الجهازين الحكومي والسيادي ، وتخفيض منصرفات الأمن والدفاع ،وتحويل العائد لدعم السلع الأساسية والتعليم والصحة والدواء والتنمية ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي ، بدلا من التوجه للخارج ، ك”العير يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول”، فتحسين العجز في ميزان المدفوعات نبحث عنه فعلا لا قولا في الإنتاج والتوجه للداخل واستعادة اموال الشعب المنهوبة ،ثم بعد ذلك نتوجه للخارج ونتفاوض مع المؤسسات المالية العالمية من مواقع السيادة ، لا الخضوع لشروطها، بدلا من الهبات وبرنامج ثمرات ،الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والذي يحول شعبنا الغني بموارده وثرواته من منتج الي متسول ومتلقي للمنح، فضلا أن تلك السياسة امتداد لسياسة نظام البشير التي فشلت، فضلا عن أنه من المستحيل أن تدعم الحكومة السلع والخدمات الضرورية، منها الكهرباء والدقيق وغاز الطبخ والأدوية، في ظل الخضوع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين الرافضة لذلك، فهذا حديث لمجرد الاستهلاك.
5
وأخيرا، في ظل تفاقم أزمة حكومة الشراكة وهيمنة اللجنة الأمنية والطفيلية القديمة والجديدة علي مفاتيح الاقتصاد الوطني ، لا نتوقع ضوءا في آخر النفق ، ولا حلا للازمة الاقتصادية والحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة ، مما يتطلب أوسع تحالف لقوي الثورة ، والتحضير الجيّد لمليونية 30 يونيو ، ومواصلة التراكم النضالي والمقاومة الجماهيرية الجارية بمختلف الأشكال حتى الانتفاضة الشعبية والاضراب السياسي العام والعصيان المدني ، والاطاحة بشراكة الدم وقيام البديل المدني الديمقراطي.