بقلم : رانيا سليمان
بالطبع قد يجد الكثير منا المبررات الكافية لاتهام افراد النظام السابق في جهاز امن الدولة والشرطة و جميع الكيزان بالتأمر و محاولة ايقاف عجلة الحكومة الانتقالية و عبور البلاد لنفق الحرب والنزاعات الي براحات السلام والامن واستقرار البلاد الامني و الاجتماعي و الاقتصادي . و برغم اتفاقي مع الجميع حول هذه الرؤية ، و لكن في ظني نحن بحوجة ماسة الي تكبير عدسة رؤيتنا للاحداث لنري من خلالها الجوانب الاخري الهامة التي ادت الي النزاعات حتي قبل نشوب الحرب والتي تظل ارض خصبة لاعداء السلام و التنمية والديمقراطية لبذر بذور الصراعات و الاشتباكات التي تقلل من فعالية و دور الحكومة الانتقالية في الاستقرار الامني بالبلاد.
هذه الجوانب هي التي شكلت مألات اقليم دارفور لفترة طويلة وستشكل ما تبقي من عقود قادمة اذا لم تتم معالجتها بوعي ودراية تمامة بطبيعة الاقليم التي (لا تختلف ) اختلافا كبيرا عن بقية اجزاء السودان التي تتأثر كل عام بالمتغيرات المناخية climate change المؤدية الي جفاف و تصحر و فيضانات متكررة قادت البلاد الي اثار بيئية كارثية و تدهور و انخفاض في جودة الاراضي الزراعية و اتخفاض في معدل نسبة الامطار بالتالي بوار الاراضي الرعوية.
بتاريخ 16 اغسطس 2019 اطلقت اليوناميد ( البعثة الامنية المختلطة للامم المتحدة واللاتحاد الافريقي بيان عبرت فيه عن القلق من الزيادة الاخيرة في التوترات المجتمعية المسلحة بين المزارعين و الرعاة خلال موسم الامطار في دارفور. حيث تم وقوع 37 حادث في شهر يوليو 2019 يتعلق بالاراضي الزراعية و الرعوية و في الشهر الذي تلاه ( اغسطس ) تم قتل 3 من النازحين داخلياً في مخيم نيفاشا للنازحين علي ايدي الرعاة المسلحين في منطقة زراعية.
معظم هذه الاشتباكات تحدث عندما يقود الرعاة المسلحين قطعانهم الي داخل الاراضي الزراعية او محاولة المزارعين الوصول الي الاراضي الزراعية حيث يمنعهم من ذلك ويعترض طريقهم الرعاة المسلحين . و بالتأكيد هذه الحوادث ليست بجديدة فقد بدأت قبل الثمانينات و اذدادت حدتها عندما ضرب الجفاف بقوة اقليم دارفور. ونتيجة لهذه الاشتباكات فقد جميع مكونات مجتمع دارفور المحاصيل و لقمة العيش و تدهورات الاوضاع الامنية كرفيق مصاجب لتدهور الاوضاع التنموية في الاقليم. و فشلت معظم مبادرات التعايش السلمي المجتمعية مع بين المكونات القبلية و ادي تراكم تدهور الاوضاع الامنية الي بداية الحرب التي أشعلتها حكومة النظام السابق عبر تسليح القبائل الرعوية لمحاربة الحركات المسلحة التي نادت بالتوزيع العادل للثروة والسلطة، مقابل الوعود بأمتلاك الاراضي الزراعية.
و هكذا و لكل ما اوردت اعلاه اجد في راي ان ادارة عملية السلام و وقف الحرب الحثيثة الجارية في جوبا من جانب الحكومة الانتقالية و الفصائل المسلحة في دارفور تظل تفتقر لاهم كيانات اطراف النزاعات الاساسية و هي القبائل الرعوية و القبائل الزراعية . فحصر عملية السلام بين الفصائل العسكرية للحركات المسلحة و الحكومة الانتقالية يعتبر قصورا في الرؤية الدقيقة للازمة الحقيقية في اقليم دارفور و التي بلغت اقصاها مع مجازر الجنينة حيث ظهر المزيج المتفجر من المظالم العرقية والسياسية والاقتصادية التي ادت الي مقتل العشرات و نزوح عشرات الالاف من النازحين الي تشاد.
كما اني اري بضرورة ان تشمل لجنة أدارة عملية السلام متخصصين و خبراء في مجال فض النزاعات و خبراء في مجال الزراعة و الثروة الحيوانية لديهم خبرة كافية في ما يتعلق بوضع اليات للحد من تأثيرات التغيرات المناخية لوضع تصور متكامل يشرح للجميع كيفية التعاون من اجل الوصول بالاقليم لوضع امن و مستقر و بيئي يحث الجميع علي ثقافة التعايش السلمي المجتمعي. فعملية السلام عملية ممتدة و ممنهجة تبدأ بوقف اطلاق النار و تستمر لتشمل معالجة كل الاسباب الموضوعية للنزاعات والحرب دون اهمال لسبب دون الاخر، والا ستعود نفس الاسباب لتشكل ازمات متجددة مع كل مرحلة تحرزها عملية السلام.