دور الجينات في تحديد الميول الجنسية

0 109

بقلم : محمد اسماعيل

– هل الخلل الجيني يمكن ان يتغلب على أرادة الانسان الحرة ويؤدي الي الشذوذ الجنسي؟!
اثار انتحار الناشطة المصرية المدافعة عن حقوق المثلين سارة حجازي جدلا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي مما سلط الضوء مجددا على قضايا المثلية الجنسية من حيث أسباب الظاهرة وتنامي المدافعين عنها في بعض الدول العربية.
يتغاضى المدافعين عن حقوق المثلية الجنسية عن مناقشة الظاهرة من حيث مشروعيتها الأخلاقية والقيمية، من حيث انها منافية للفطرة السليمة التي جُبل عليها الانسان، حيث يعزو المدافعين عن المثلية هذا الشذوذ الأخلاقي الي بعض الاضطرابات الجينية بحيث تكون هي السبب الذي يدفع الشخص الي المثلية , وبالتالي وفقاً لهذا الرأي فان المثلي عندما يسلك طريق المثلية الجنسية فأنه يكون مدفوعا جينيا وبيولوجيا اليه وليس نتيجة لاختيار شخصي ناتج عن إرادة حرة وبالتالي أرادوا تحويل موضوع الشذوذ الجنسي من دائرة الاخلاق الي دائرة العلم. لذا وفقا للمدافعين عن حقوق المثليين، ينبغي على المجتمع ان ينظر الي الشذوذ باعتباره ظاهرة طبيعية ويجب عليه ان يتسامح معها بدل عن نبذها وتضيق الخناق على المثليين.
الأبحاث العلمية التي ربطت بين ظاهرة الشذوذ الجنسي بنوع من الخلل الجيني، كان لها الدور الحاسم في تطبيع المجتمعات الغربية مع المثليين الجنسين، حيث استخدم أنصار المثلية الجنسية هذه الأبحاث لدعم موقفهم المنادي بعدم التميز السلبي ضدهم وصيانة كل حقوقهم وتضمينها ضمن القانون وعلى رأس هذه الحقوق حق الزواج بين المثليين.
بالرغم من ظهور دراسة نشرت مؤخرا تنفي ان يكون هنالك جين معين مسؤول عن الشذوذ الجنسي، الا انني سوف اناقش في هذا المقال فرضية وجود هذا الجين، والي أي مدي يمكن ان يؤدي وجوده على التأثير على خيارات الأشخاص الأخلاقية والقيمية، وهل إذا وُجد هذا الجين يمكن ان يجعل الشخص اسيراً له ويلغي إرادته في اتخاذ القرارات الأخلاقية التي تتعلق بسلوكه الجنسي!
من اجل التبسيط سوف استخدم بعض المفاهيم مثل العقل والنفس والروح باعتبارهما شيئاً واحدا (بالرغم من بعض الاختلافات بينهم)، واقصد بهم الجانب غير المادي في الانسان، باعتبار ان الانسان يتكون من جانب روحي واخر مادي، أو عقل وجسد، والجانب الروحي هو مصدر التفكير والاحاسيس والمشاعر ومصدر الإرادة والمشيئة في الانسان.
النموذج العلمي (Paradigm) السائد في الغرب خاصة في حقل علم الاحياء ينظر الي الانسان باعتباره يتكون من مادة فقط، وهذه الرؤية تعرف في الوسط العلمي والفلسفي بالمادية (materialism) أو (Physicalism)، وتنفي ان يكون الانسان مكون من روح ومادة، او عقل وجسد، فهي تري ظاهرة العقل او الروح ليس سوي حالات (status) تنتج من المادة وليست متمايزة عنها، وهذا النموذج الغربي المادي للإنسان يختلف عن كل من نظرتي الدين للإنسان والتي تري فيه جانب مادي واخر روحي وعقلي, وكذلك يختلف عن نظرة الفيلسوف ديكارت والمدرسة الديكارتية (cartesian dualism) للإنسان حيث قسمت الانسان الي روح ومادة, وظل النموذج الديكارتي سائدا في الغرب حيناً من الدهر الي ان حل محله النظرة المادية للإنسان متأثرة بمبدأ السببية.
تجدر الإشارة الي ان هنالك عدة مدارس مختلفة بوجهات نظر متباينة داخل النسق المادي، الا انهم يجمعون على نفي البعد الروحي والعقلي المنفصل عن المادة. ووفقا للنظرة المادية للإنسان فان تكوين الانسان البيولوجي والجيني هو المسؤول عن كيفية تفكير الانسان ومركز هذا التفكير هو الدماغ، وبالتالي فان الاحاسيس والمشاعر والتفكير العقلاني ليس سوي تجلي لتفاعلات الكتر وكيمائية تحدث داخل جسم الانسان، أي ان المادة هي التي تسيطر علي العقل والنفس والإرادة الإنسانية وليس العكس. وان ما يحدد تفكير الانسان هو تركيبه البيولوجي والجيني أضافة الي عوامل اخري مثل بيئته المحيطة به وعرقة وجنسه وطبقته الاجتماعية ونوعه ذكر كان ام انثي وغيرها من العوامل. نعم ان العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالإنسان تأثر في تركيبته النفسية وطريقة تعاطيه مع الحياة، ولكن للإنسان إرادة حرة ومشيئة يستطيع من خلالهما أن ينفك من اسار العوامل المحيطة به ويتغلب عليها.
وصفوة القول، ان النموذج المادي العلمي السائد حاليا عندما ينظر الي ظاهرة المثلية فأنه يردها فقط الي عوامل جينية وبيولوجية وبذا تكون هي المسؤولة عن هذا الشذوذ ويلغي أي دور للإرادة والمشيئة الإنسانية، لأنه يري ان المشيئة الانسانية خاضعة للتركيب البيولوجي للإنسان، وبالمقابل نري ان الدين ينظر للإنسان باعتباره مخلوق حر الإرادة ابتداءً ومناط تكليف الانسان وإستخلافه في الأرض يتمثل في حرية ارادته ومشيئته فهي لا تخضع الي أي أكراه جيني او بيولوجي خاصة فيما يتعلق باختيار هذا النظام الأخلاقي او ذاك, وعلي أساس هذه الحرية فهو محاسب امام ربه يوم القيامة.
المعضلة الكبرى التي يواجهها النموذج العلمي المادي الغربي هو فشله في تعليل وتفسير ظاهرة الروح والعقل، ولما عجز عن تقديم تفسير مقنع عمد هذا النموذج الي اختزال ظاهرة العقل في المادة ونفي وجودها بمعزل عن المادة. ونتيجة لفشل النموذج المادي في تفسير ظاهرة العقل بدأ نموذج اخر يشق طريقة ببطء في الأوساط العلمية والفلسفية يعرف بي (panpsychism) وهي النظرة القائلة بانه يوجد نسبة من الشعور او الإحساس (consciousness) في كل الوجود، حتى في الذرات ولكن بنسب متفاوتة.
محاولة البعض التدثر برداء العلم من اجل إضفاء الشريعة الأخلاقية لتبرير الشذوذ الجنسي يتنافى مع كون الانسان حر المشيئة ولا تخضع مشيئته لاي حتميات جينية، وإذا كان تركيب الإنسان الجيني والبيولوجي يحدد سلوكياته وخياراته الأخلاقية فان فلسفة التشريع والعقوبات سوف تكون على المحك لأنه يمكن للقتلة والمجرمين ان يبرروا افعالهم نتيجة لوجود خلل جيني وليس نتاج إرادة حرة. عندما اختارت المجتمعات الغربية التطبيع مع ظاهرة المثلية الجنسية فأن هذا يعتبر خيار أخلاقي يعكس المنظومة الأخلاقية السائدة في تلك المجتمعات، حيث نجد انها أصبحت مجتمعات لا دينية تختزل الانسان في بعدة المادي الرغائبي فقط القائم على أساس إطلاق العنان لرغبات الانسان وشهواته الجنسية.
في الختام، بالرغم من ان العنصر المادي والروحي في الانسان يتفاعلان مع بعض ويؤثر كل منهما على الاخر، الا ان أرادة الانسان تظل حرة ولا تخضع للحتميات الجينية، وهذا يمثل الحرية في أسمى تجلياتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.