سجون تفتح النفس “للجريمة”

0 69

كتب: جعفر عباس 

.

تيم ماسترز امريكي من ولاية كولورادو، دخل السجن بعد إدانته بالقتل العمد وعمره 15 سنة، وأُفرج عنه العام الماضي، وطوال سنوات السجن العشر ظل ماسترز يعيط ويصيح “أنا غلبان”.. السجن في أمريكا لشخص في مثل سنه يعني إما التعرض للاعتداء على الشرف او الإرغام على تعاطي وإدمان المخدرات او الإصابة بعاهات مستديمة في المشاجرات بين العصابات التي تتنافس على السيطرة على مجريات الأمور في السجن. لم يخرج ماسترز من السجن لانتهاء مدة العقوبة بل بعد صدور قرار ببراءته، فقد نجح احد المحامين في إعادة فتح ملف قضيته وأبرز أدلة علمية من موقع الجريمة (الحمض النووي) تؤكد على نحو قاطع أنه لم يكن (حتى) موجودا في مسرح الجريمة، ونال ماسترز 4 ملايين ومائة الف دولار عن السنوات العشر التي قضاها خلف القضبان.. (كم واحد منكم ايها القراء مستعد لقضاء سنة في السجن مقابل 410 الف دولار؟ أعرف أن هناك من سيقول: لا أمانع حتى في “الإعدام”. اعطوني فرصة أبحبح كذا شهر بذلك المبلغ وبعدين “الدوام لله”.

سجن ليوبين في النمسا عبارة عن برج زجاجي شاهق فيه غرفة خاصة لكل سجين وبالغرفة تلفزيون ومكتبة والعاب الكترونية ولو زهج السجين يستطيع ان يذهب الى “الجيم” أو حوض السباحة، ولو كنت تريد قضاء شهر عسل بكلفة رمزية سافر وعروسك الى البلدة التي فيها السجن، وابحثا عن كلب او قط ضال ويقوم كل واحد منكما برمي كذا حجر باتجاه ذلك الحيوان وستأتي الشرطة خلال ثوان.. ثم خلال أيام: مبروك حكمنا عليكما بالسجن لمدة أسبوعين.. والسجن مسموح فيه ببقاء كل زوجين صدر بحقهما حكم بالسجن معا.. وتعيشان ببلاش في سجن فندقي ثم يتم إبعادكما عن البلاد بوصفكما مجرمين.. ومن مزايا الإبعاد أن الحكومة تتحمل كلفة تذكرة العودة.

في سجن أرانجويز في إسبانيا هناك غرف عائلية. يعني انت حكموا عليك بالسجن عشرين سنة، بعد شهر من الزواج.. ستغادر السجن وعندك 4 او 5 عيال بالحلال لأن من حق المدام والعيال الإقامة معك ومغادرة السجن والعودة إليه “على كيفهم”.. وفي جزيرة باستوي في النرويج سجن صديق للبيئة يتم فيه توليد الطاقة الشمسية ويتولى السجناء إعداد طعامهم بأنفسهم و…. (عقبال عندك) ممارسة رياضات مثل ركوب الخيل والتنس والسباحة. بصراحة هذه السجون التي تفتح النفس دعوة صريحة لارتكاب الجريمة طلبا للعيش السهل، فإذا كنت “مُقطّعا مبهدلا” ورغيف الخبز في تلتلة فما الذي يمنعك من ارتكاب جنحة لدخول سجن كهذا؟ ولهذا لابد ان أنقلكم الى سجون “شكل تاني” في بوليفيا حيث كل قسم من السجن يدار بواسطة “زعيم” ويكون هذا الزعيم عادة من صنف البلدوزر الذي قتل 3 أو 7 أشخاص.. إذا ما عندك فلوس تنام في أماكن مكشوفة في بلد تنهال فيه الأمطار كالسياط لنحو تسعة أشهر في السنة.. وتشتري طعامك وملابسك.. وإذا كنت مقطوعا من شجرة وليس هناك من يأتيك بنقود فاعمل أجيرا لدى الزعيم، وإذا قلت “كاني ماني” قد يكون مصيرك القتل او عاهة مستديمة.

وبوصفي من أرباب السوابق ومرتادي السجون، فإنني اشهد بان السجن الذي كنت فيه في السودان كان وسطا بين السجون الأوربية وسجون بوليفيا.. يعطونك قطعة من الحصير وبطانيتين تنام بها على الأرض ووجبتين أي كلام يوميا.. ولكن لم تكن هناك عصابات تسيطر على السجن (ربما لأن السجناء السياسيين يحبسون في أقسام خاصة كي لا ينشروا “سمومهم” بين بقية السجناء).. لم يكن الحال سيئا جدا .. يعني نص، نص.. بس لن أغفر لهم إذلالي خلال الأشهر الأولى من السجن بتزويدي بقصرية تكون دورة المياه الخاصة بي في الزنزانة (ما علاقة ذلك الوعاء السخيف ب”القصور” حتى يكون اسمه مشتقا منها).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.