سند قود وليس سند باد

0 64
كتب: جعفر عباس
.
سعدت بزيارة العديد من الدول، إما للعمل او لمهام رسمية او للفسحة، وكانت مصر هي وجهتي الأولى، مرافقا لأخي عبد الله الذي أوفده القمسيون الطبي على نفقة الحكومة لإجراء جراحة في العمود الفقري في القاهرة، وكعادة السودانيين كنا قد رتبنا أمر إقامتنا هناك مع عدد من معارفنا كانوا قد سبقونا الى هناك، وذات يوم طبخا رجلة كاربة وأتينا بالكسرة من بائع قرب السفارة في جاردن سيتي، وقمنا بعجن الكسرة بالرجلة وعليها سلطة خضراء ثم دعونا ست هدى التي كانت تتولى أعمال النظافة والغسيل والكي في الشقة لتأكل معنا، فنظرت الى الهردبيس في الصحن وصاحت: إيه دا؟ إنتو فراخ؟.
عدت من القاهرة حاملا عودا اشتريته، ونزلت من الطائرة ونظرات الإعجاب تلاحقني (وكان ذلك في عصر ما قبل علي كبك وعشة الجبل)، ومصحوبا بعبارة “تفضل يا أستاذ” خرجت من المطار خلال دقائق، وبعد السلام على أهل البيت وتوزيع الغنائم أمسكت بالعود وبدأت العزف، وكنت موقنا من أنني سأنزل الساحة وأعرض مستقبل وردي وإبراهيم عوض وغيرهما للخطر، لأنني كنت مقتنعا بأنني “مليان نغم”، وجلست نحو عشرة أيام متتالية وأنا أنقر على العود ليل نهار، ثم اختفى العود، وشككت في ان أمي التي كانت رافضة لانشغالي بالغناء، قامت بإخفاء العود، وبعد دفع رشوة لأختي أبلغتني ان العود مخبأ عن جيراننا، ولما استعدته قالت امي: يا أنا يا العود في هذا البيت؛ فقلت لها: ما تخافي فلن أمارس الغناء إلا داخل البيت ومع الأصدقاء والأقارب!! فقالت: امشي غني في ميدان عقرب بس ارحمنا من الازعاج والدوشة بتاعتك، وهكذا اتضح انها كانت مستاءة من تن تن تن تن تن التي تسمعها ليل نهار دون صدور نغمة سليمة واحدة، واستطلعت آراء أخواتي فكان ردهن محبطا: الجيران قالوا ح يفتحوا فينا بلاغ إزعاج، فتبرعت بالعود لصديق، وعلمت لاحقا ان أمه كسرته واستخدمت خشبه في الطبخ، وهكذا تم وأد ودفن موهبتي كما فعل مدرس اللغة العربية الذي قتل موهبتي الشعرية بعد ان “قفشني” وأنا اكتب قصيدتي المشهورة: من نارك يا جافي / انا طالب المطافي؛ وجلدني جلد الحمار الحرون وهددني بالفصل من المدرسة اذا “ارتكبت” الشعر.
في الأيام التالية بحول الله أصطحبكم معي في جولاتي الخارجية التي جعلتني اعتبر نفسي سند قود good وليس سندباد bad.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.