سيسي دارفور: عودة حلة الأفندية
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
قال إسماعيل حاج موسي يوماً أي نفع نجني من تكرارنا تحميل الصفوة وزر محنة البلاد؟ وبس. قال: ما هي الإجراءات السياسية والقانونية التي ستترتب على مثل هذه الإدانة؟ وحتاما؟ وطرأت لي عبارة حاج موسى وأنا استمع لكلمة التجاني سيسي رئيس اللجنة العليا للحراك الوطني. فحمل حملة شعواء في كلمته الافتتاحية لمؤتمرها يوم ٢٧ ديسمبر المنصرم على النخب السودانية وتدخل الأجانب في شأن وطننا . ولم يطرأ لسيسي في كلمته، التي تخللتها نوبات حماسة عشوائية، أنه بالذات نخبة لم يحسن لرئاسة السلطة الانتقالية حين تقلدها في النصف الأول من عقد القرن الثاني فحسب، بل جاء لتلك الرئاسة نفسها في إطار تدخل أجنبي في صفقة سياسية عقدتها قطر بين حكومة الإنقاذ ومن حضر من الحركات المسلحة في دارفور. وكانت من مهامه إنفاذ جملة مشاريع تنموية في الولاية لم تبخل عليها الدوحة بالمال الوفير.
ومن المؤسف أن فشله في مهمته كان بجلاجل. فانفرط عقد التحالف الذي انعقد حوله لحد العراك بالأيدي بين جماعته وجماعتي بحر إدريس أبو قردة والعميد دبجو في فندق روتانا السلام أمام الدبلوماسيين والضيوف الأجانب في سبتمبر ٢٠١٥ حول توقيع برتكول إنفاذ مشروعات ما لإعمار دارفور . فإن جاز لمثل سيسي أن يكون حكماً على أداء طيبة الذكر الصفوة فإما أنها كيان متوهم، أو أن لعنها في مثل فعل سيسي وغيره ما جايب حقو.
وقبل أن أعيد نشر كلمة لي قديمة في نقد برنامج مشروعات سلطة دارفور الانتقالية التي تزعمها سيسي أقول عجبت له يطيل الحديث عن التدخل الأجنبي في ليبيا بزفرات حرى على ضياعها من وطأة ذلك التدخل. ولم يخطر له أن بعض هذا التدخل الأجنبي البغيض مما قامت، وتقوم به، لقاء ثمن حركات مسلحة من إقليمه هو بالذات: دارفور.
إلى المقال القديم:
توقفت في صحف أمس عند نبأ من دارفور عبارة عن إعلان من ولاية شمال دارفور للمقاولين لتقديم عطاءات لبناء “مشاريع استكمال النهضة، مشروعات الوعد والعهد”. والعنوان شاعري من مثل ما نتوقعه من جماعة إبداعية وغير خائل على عطاء. وسنتجاوز “البروبقاندا” في النبأ لنسعد بهذا التمويل العمراني الخدمي لتأهيل المحليات فتغري بعودة النازحين الطوعية. فنحن نسمع عن هذه العودة كالجعجعة ولا نرى طحناً. ووجدت أنها تزامنت مع مشروعات طموحة أخرى تتولاها الجامعة العربية يجري الترويج لها حالياً وأخبار عن تفويج طوعي كبير للنازحين في بعض المحليات.
طلب الإعلان عطاءات لتشييد 68 مشروعاً في محليات شمال دارفور الست عشر. وشملت هذه المشاريع مبان حكومية، ومستشفيات ومراكز صحية، ومستشفيات بيطرية ومراكز لخدمات بيطرية وزراعية، ومساجد.
وازعجتني “وزنة” هذه المشاريع من جهة نسب بعضها لبعض. فقد وجدت أن الدولة أخذت نصيب الأسد. فثلت هذه المباني إلا قليلا (20 من 68) مخصصة لبناء إما لرئاسة المحلية، أو منزل المعتمد، أو بيت الطبيب الأخصائي. وهذا إسراف معروف عن الأفندية. فهم متى وجدوا هواهم “ضروا”. وأنا متأكد أنهم لو شاوروا المواطنين في سلم أوليات مشاريع الوعد والعهد لوجدوا حلولاً أيسر لمباني المحلية وبيوت الموظفين بل وللمساجد (20 وحدة). ووربما كانت الدور التي سيتراضى عندها المواطنون والحكومة متواضعة ولكنها من هضم النفس متى تولي أبناء الولاية لقسمتهم من السلطة ينأون به من إسراف بيوت الأفندية على الضفة الأخرى للأهالي.
ولا تسفر نرجسية الدولة عن نفسها بأوضح من تخصيص 3 مبان لما وصفه العطاء بدار “”العمل الوطني” التي هي مقر الحزب الحاكم في ما أعتقد. وهذا غير لائق بالمرة ولا نطيل. ثم خذ عندك تخصيص مبن موصوف ب”مكاتب إدارية للشراكة التحصيلية”: يا كبرة فولاية!
ثم نظرت في نصيب بعض المحليات من مشاريع الوعد العهد فوجدت نسبة دور الحكومة ارتفعت للثلثين. فحظيت محلية دار السلام بثلاث مشروعات للحكومة: اثنان وللأهالي سد ترابي. كما اقتصرت مشروعات محلية البرو الثلاث على مبنيين حكوميين وسد أيضاً. وهذا من الكتح في الخشم. وحظيت الطويشة ببيت حكومي ومسجد ومركز خدمات زراعية. أما الحكومة فغلبت في محلية كرنوي. فنصيبها مبنى رئاسة الحكومة ومنزل المعتمد ومركز شرطة. وبس. وحظيت محلية سرف عمرة ب”إستاد”!
أتمنى على ولاية شمال دارفور أن تراجع أسبقياتها في إعلان العطاء، أو أن تقدم للرأي العام حيثيات مقنعة لهذا الجنوح في الوعد والعهد. وسبق لها القول في الإعلان إن العطاءات الراهنة هي الحزمة الثانية من هذه المشروعات, وسنفسر سبقها بقائمة أولى (ربما شملت وحدات خدمية خالصة) لصالحها حتى تطلعنا على منطق أسبقياتها هنا. ومهما يكن فتمكن المبنى الحكومي من المشروعات بنسبة الثلث مما يصعب الدفاع عنه.
والأفندية وحوش مربعنة في المركز والهامش لا فرق. متى لقوا يدهم سووا البدع.