طبائع الإستبداد !
كتب: زهير السراج
.
اعتقدنا أن زمن الإستبداد واصدار القرارات الفوقية وعدم احترام المواطن قد انتهى، ولكنه جاثم فوقنا بكل ثقله وقبحه، كما يقول الاستاذ نبيل أديب المحامي الذي يتناول فصل شبكة الانترنت متحدثاً عن هذا الاستبداد:
* أساس الحكم الإستبدادي عدم الخضوع للمحاسبة استناداً على سلطة القوة، وهذا ما يورث الشعور عند صاحب السلطة بأن قراره واجب النفاذ بذاته لمجرد صدوره، وهو الأمر الذي يهدر طاقات وثروات عديدة للدولة، ولكنه فوق ذلك يهدر حقوق المواطن.
* مثال واضح على ذلك ما أعلنته شركة (زين) صباح الأربعاء عن طريق رسالة نصية على المحمول وجهتها لمشتركيها تعلنهم بأنه بتوجيه من جهات عدلية سوف يتم قطع الانترنت يومياً خلال جلسات امتحان الشهادة الثانوية من الثامنة وحتى الحادية عشرة صباحاً، وتبدو طبائع الاستبداد واضحة في أن شركة (زين) لم تشعر بحاجة لأن تذكر على وجه التحديد من هو مصدر القرار، وما هي سلطته!
* عندما كنا حديثي عهد بالاستقلال، كانت مثل هذه القرارات تخرج وتتصدرها العبارة التالية” أنا (الاسم والوظيفة) بموجب السلطات المخولة لي بموجب المادة … من القانون …. أصدر القرار التالي”، وهي جملة تؤكد استناد السلطة على حكم القانون، ولكن بعد عهود طويلة من الحكم الاستبدادي أصبح حكم القانون مجرد جملة نُزين بها الوثائق الدستورية فحسب، لذلك فقد اكتفت (زين) بإشارة غامضة إلى جهات عدلية، دون أن تشعر أن هنالك سبباً يدعوها لتحديد الجهة التي أصدرته، لأن الإعلان هو مجرد إخطار للمواطن بأنه فقد حقه في تلقي الخدمة لزمن معين، ولكنه غير معني بتأكيد شرعية القرار الذي انتهك حقوق ذلك المواطن!
* ايقاف النت ينطوي على انتهاك للوثيقة الدستورية، لأنه ينطوي على انتهاك لحقوق الإنسان المضمنة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه السودان وأصبح جزءً لا يتجزأ من الوثيقة، وهذا رأي (فرانك لا رو) مقرر الأمم المتحدة الخاص بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وقد عبَّر عنه في تقريره الذي قدمه في مايو 2011 إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة!
* قدم (لا رو) في التقرير 88 توصية بشأن تعزيز وحماية الحق في حرية التعبير على الإنترنت، لتأمين حصول الجميع على خدمة الإنترنت، ووصفه بأنه يدعم قدرة الأفراد على التمتع بحقهم في حرية الرأي والتعبير، وهو “عامل تمكين” لحقوق الإنسان الأخرى، ويقول ان منع المستخدمين من الوصول إلى الإنترنت، بغض النظر عن المبررات المقدمة، انتهاك للفقرة 3 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
* رغم أنه لا يوجد شيء يمكن أن يبرر الانتهاك الذي سببه ذلك القرار، إلا أن مبررات القرار تظل مثيرة للرثاء، من حيث أنها تكشف في حد ذاتها عن تخلف نظام التعليم عندنا.
* لا شك أن التعليم الذي يعتمد على امتحانات يفسد نتيجتها النت هو تعليم يقوم على التلقين الذي يخلق شخصاً محدود الأفق والمعلومات، قادر فقط على تلقي التعليمات، أما ما يخلق الثقافة والعلم فهو المنهج القائم على تنمية القدرة على البحث في موضوع الدراسة، لذلك فإن الامتحانات في النظم الحديثة اصبحت تتم في لجان يسمح بالدخول اليها بالكتب والمراجع، لأن الطالب لا يُمتحن في قدرته على تذكر ما تم تلقينه له، بل في قدرته على الاستيعاب والبحث في المواضيع التي درسها.
* دعونا ننظر للتكاليف الباهظة والأضرار التي يسببها قطع النت الذي أصبح في مجتمع المعلومات الذي نصبو إليه النمط الرئيسي للإنتاج، وبالتالي فإن قطعه يؤثر على العملية الإنتاجية بجملتها، وهذا يعني تكاليف اقتصادية باهظة.
* أضف لذلك أن العملية الإنتاجية تدعمها عدد من العمليات الخدمية تقوم كلها على الشبكة الإليكترونية، مما يعني أن جميع الخدمات المالية التي تشكل عصب العملية الإنتاجية من تحويلات مالية وسداد للرسوم والضرائب، ستتوقف لمدة ثلاث ساعات يومياً وهو ما ينطبق أيضا على الخدمات المدعِّمة للإنتاج، المتعلقة بالاتصالات والمواصلات، فكم يا ترى تبلغ تكاليف توقف الإنتاج ثلاث ساعات يوميا، كما ان المسائل المتعلقة بالأمن وبالسلامة العامة ، ستصاب كلها بخلل في أحسن الأحوال وبشلل في أسوئها فمن المسؤول عن كل ذلك؟!
* بالنظر لكل ذلك، وإذا سلمنا جدلاً بضرورة تأمين الامتحانات ضد نقل المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية، ألم يكن يكفي منع دخول الامتحانات بهواتف وأي وسيلة اتصال إليكتروني أخرى؟!