ظاهرة “التوم هجو” !

0 76
كتب: منعم سليمان
.

إذا لم تكن مؤمناً وأردت ان تتأكد بان الله قادر على كل شيء فأنظر إلى “التوم هجو”، أو الرجل اللبلاب، وهو يفوق نبات اللبلاب تسلقاً، وقد نما الضوء على جذعه بعد ان تسلق بندقية غيره فتساقطت أوراقه الضارة علينا!

والتوم ليس اسماً بل وظيفة، هذه الوظيفة تنشط في عهود الانتقال وما يصاحبها من ارتباك وفوضى فيرتفع صوت شاغلها ويعلو ضجيجه، تماماً كما تفعل الطفيليات والحشرات الضارة التي لا تنمو إلاّ في وحل وصخب المستنقعات وتحت قذارتها، وهي وظيفة ليست حكراً على بلادنا وإنّما عرفتها كل البلدان التي شهدت ثورات شعبية، وليس من شروط هذه الوظيفة التأهيل الأكاديمي والمعرفي، بل الصفاقة والجرأة وقلة الحياء مع مفردات محفوظة غير متجانسة يتفوه بها في غير محلها وسياقها، لإحداث نوع من الصخب والتشويش على الحقيقة، فضلاً عن إن هذه الوظيفة لا تتطلب رجاحة في العقل، بل قوة في الصوت.

ومن أهم شروط شاغلها أن يمتلك الحد الأدنى والمتدني من أي شيء عدا متانة الحبال الصوتية؛ كما أن شاغلها يختار دائماً من يراه الطرف الأقوى فيقف بجانبه – الأقوى بالمعنى المتوحش للقوة – لذا فإنّنا عندما ننظر إلى كل البلدان التي شهدت هذا التيار الـ(توم هجوّي): نجده دائماً مُتخندقاً مع العسكر، ومسانداً لهم في إنقلابهم ضد التيار المدني.

ولا شك أنّ ما حدث بشأنِ مجلس شراكة الفترة الانتقالية؛ ودس رئيس مجلس السيادة صلاحيات غير متفقٍ عليها لنفسه؛ تفوق صلاحيات الحكومة المدنية، إنما هو انقلاب “ناعم” مكتمل الأركان؛ ولماذا الانقلاب المُسلح بتكاليفه السياسية والقانونية الباهظة بعد نزع صلاحيات رئيس وزراء حكومتنا؟ إلا ان التوم هجو وبحكم الوظيفة لا يرى إلاّ ما يرى صاحب الانقلاب، فبهت قوى الثورة بأنها ضد مجلس الشراكة وليس ضد الصلاحيات الملغومة!

واهِمٌ من يظنَّ أنّ ما حدث محض سهو وخطأ بسيط ارتكبه رئيس المجلس فأضاف ما أضاف؛ لله والوطن، بل هو تآمر واضحٌ لا تُخطئه إلاّ عين بها قزي وضمير به عِلِّه، فالقوم يكدون كداً في مسعاهم؛ استباقاً لوصول البعثة الأمميِّة الدوليِّة أوائل العام المُقبل، بموجب تفويض من مجلس الأمن الدولي. وهم؛ ومهما تحدث البعض عن خِفة عقولهم وبساطتهم إلاّ إنهم يملكون من المكر والدهاء أقله بالقدر الذي يحفظ لهم امتيازاتهم – حتى الذئبة تحرس نطفتها- لذا يكدون آناء الليل وأطراف النهار للقيام بأي شيء من شأنه عرقلة وصول البعثة، ولولا إنهم يعلمون عاقبة الانقلاب بصورته التقليدية؛ وتداعياته محلياً ودولياً، لما احتاج الجنرال إلى دس نواياه بين ثنايا المرسوم الدستوري، ولكان اعلنها صراحة بدباباته عبر الإذاعات والتلفزيونات بمارشاتها الجنائزيِّة المشؤومة المصاحبة!

ومع ذلك، لا يزال في القلب متسع للغفران والتصالح والتجاوز من أجل تحقيق الاهداف السامية للثورة، فلنتواضع ونمد أيدينا ونتصافح من أجل استقرار هذا الوطن، ولا يزال هنالك وقت لتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع مكونات الثورة مدنيين وعسكريين؛ بشرط توفر الرغبة وحسن النوايا، وأما الغدر والخيانة والتآمر على شق الصف الثوري ومحاولة الوقيعة بين الثوار وحكومتهم المدنية و (الحركات المسلحة) والاستعانة بأصحاب السويّة الوطنية والأخلاقية المتدنية لهذا الغرض، فلن يزيد النار إلاّ اشتعالاً، وحينها لن يصبح الوطن صالحاً للحكم مدنياً كان أو عسكريّاً، وسيتمزق ويتلاشى ويسقط حجراً على حجر!
ثم ماهي القيمة الدفترية للتوم هجو في الساحة السياسية؟ بل ماهي القيمة المضافة التي يمكن ان يقدمها للعسكر سوى ان يزيدهم سفالاً وخبالاً؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.