عام مضي علي الثورة!

0 97

كتب: محمد عبد الرحمن الناير

متذكرين عبد العظيم؟
يبقي الرجوع
عن دربو شين…
وخيانة
والله العظيم…!

المجد للشهداء..فرسان المواكب
المجد للشباب والكنداكات
المجد للشعب للمعلم

مضي عام علي إنتصار ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة التي مهرها شعبنا بالدماء والدموع ، وقدم خيرة فلذات أكباده من أجل تحقيق أهدافها في التغيير الشامل وتصفية نظام الإستبداد ومحاكمة رموزه وبناء دولة المواطنة المتساوية ، رافعاً شعارات ( تسقط بس) و ( حرية سلام وعدالة) ، إلا أن القوي الصفوية وأهدافها الذاتية وبقايا جنرالات البشير وطموحاتهم السلطوية قد أجهضوا تلك الأحلام والآمال التي غنت لها الجماهير الثائرة في ساحات الإعتصام ، وهتف بها شباب المقاومة ( الشفاتة والكنداكات) ، عبر تلك الصفقة الثنائية المشئومة التي مهرها الثنائي الإنتهازي ( قحت والعسكر) في أكبر عملية مساومة ترتقي لمرتبة خيانة الثورة والشهداء ، وبموجبها تم تأجيل الإنتصار النهائي والحاسم علي قوي الشر وكتابة ميلاد سودان جديد ، إنهما أوقفوا إنتصار أكبر ثورة سلمية وحضارية في تأريخ البشرية القريب، والتي أذهلت العالم بسلميتها وعمقها رغم الدماء العزيزة التي سالت فيها ، بفعل أولئك الأوغاد الذين أدمنوا رائحة الدماء.
إن هذه المساومة قد أنتجت هذا الواقع البئيس المشاهد الآن، الذي جعل حاضر ومستقبل السودان أكثر تعقيداً ، وأضحي قادة هذه المساومة أدوات لأطماع المحاور الإقليمية والدولية التي تدير المشهد في بلادنا خدمةً لأهدافها والمحسوبين عليها من القوي الصفوية السودانية عسكر ومدنيين.

مضي عام علي الثورة والمحصلة النهائية للحكومة المسماة جزافاً بحكومة الثورة صفراً كبيراً، فهي لم تستطع تحقيق السلام والإستقرار وتحسين الإقتصاد ومعاش الناس ووقف تدهور العملة الوطنية ، أو أن يكون لها مشروعاً وطنياً أو رؤية لإدارة الدولة وتحقيق أهداف الثورة ، وهي تفتقر للإجماع الوطني الجماهيري لا سيما من مكونات الثورة الحقيقية.
بدأوا خطوات تحقيق السلام بالسودان علي نفس منوال ونهج النظام البائد ، ونتيجته لن تكون أفضل حالاً مما توصل إليه سلفهم ، بل أن المسارات التي إنتهاجها في منبر جوبا سوف تكون القشة التي تقصم ظهر بعير الوطن المثخن بالجراحات والمترع بالأزمات ، فإن قوي الكفاح الثوري الرئيسة بعيدة عن هذا المزاد الذي يخاطب قضايا الأشخاص وقادة المكونات السياسية لا قضايا الوطن ، وأن الإتفاقيات الثنائية والجزئية المزمع توقيعها في بحر هذا الشهر سوف تكون تكراراً لثنائيات نيفاشا وأبوجا والدوحة بل اسوأ منها.

إن الأوضاع الأمنية في السودان قد إزدادت تعقيداً ، لا سيما في إقليم دارفور المنكوب ، فلا تزال عمليات القتل والسلب والنهب والتهجير القسري للمواطنين تجري علي قدم وساق ، ومليشيات الحكومة ترتكب الجريمة تلو الجريمة دون أن تجد من يقف في وجهها أو يحاسبها علي أفعالها ، رغم أن قادة هذه المليشيات في أعلي مراتب السلطة في الخرطوم.

هنالك شبه إنهيار في الإقتصاد وتدهور غير مسبوق للعملة الوطنية ، وصفوف الغاز والوقود والخبز لم تحلها الوعود البراقة والتصريحات العنترية التي تفتقر للمنهج والرؤية العلمية السلمية التي ظل يطلقها المسئولين الحكوميين وكأنهم يرددون صدي أسلافهم في النظام البائد.
ومن عجائب أقدارنا ، وبدلاً عن أن تقوم الحكومة بإسترداد الأموال المنهوبة وتصفية مؤسسات النظام البائد وإستعادة شركات إستثمارات قادته وواجهاته إلي ولاية وزارة المالية ، وتطوير البنية الإقتصادية عبر خطط ، ووضع منهج لإدارة الإقتصاد وحل ضائقته ، إلا إنهم إكتشفوا منهجاً جديداً يتمثل في إقتصاد ( الختة والشرينق)، وإنتظار وعود المانحين ، ولم تبق للدولة السودانية إلا أن تقف في عتبة مدخل الجامع الكبير بالخرطوم مناديةً في الداخلين (كرامة يا محسنين) !
فالدول تبني بالخطط العلمية والبرامج وليس عبر التسول ، فالسودان واحد من أغني دول العالم موارداً ، إلا إنه يفتقر للإدارة والإرادة.

لم تتوفر النية والجدية في محاكمة قادة النظام البائد ومصادرة أملاكهم وتصفية مؤسساتهم ، وكأن هنالك عقد بين الحاضنة السياسية لحكومة الخرطوم وبين هؤلاء الذين أسقطهم الشعب بعدم محاكمتهم والتستر علي جرائمهم ، وبعد مضي عام علي الثورة لم نر أي محاكمات حقيقية سوي تلك اليتيمة التي جرت لرأس النظام البائد فيما يتعلق ببضع ملايين وجدت بحوزته وتم محاكمته بالسجن عامين في ( دار الرعاية) ، رغم الجرائم الكبيرة والخطيرة التي إرتكبها وتم توثيقها محلياً ودولياً ، ويرفضون حتي الآن تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية التي طالبت بمثوله أمامها منذ سنوات خلت، في أبشع صور الإستهتار وإستفزاز الضحايا!.

هنالك إحساس شعبي عام بأن هذه الحكومة لا تمثل الثورة وأهدافها منذ أن عقدت واجهتها السياسية مساومة الشؤم مع العسكر ، فلجان المقاومة القادة الحقيقيين للثورة قالوا كلمتهم في أكثر من مناسبة وبأكثر من طريقة بأن ما يجري لا يحقق طموحاتهم وأهدافهم ثورتهم التي من أجلها أسقطوا نظام البشير ، إلا إنهم صابرون إلي حين!.

إن حكومة الدكتور عبد الله حمدوك والشق المدني في المجلس السيادي ، هم ضحايا لأطماع (الثنائي الأناني) الذي شكل المشهد ، خاصة الواجهة السياسية (قحت) التي وضعتهم في هذا المحك وجردتهم من كافة وسائل تحقيق أهداف الثورة وكبلتهم بوثيقة دستورية معيبة عنوانها لا إنتصار للثورة ، ولا لتحقيق أهدافها ، ولا لتصفية ومحاكمات ناجزة للنظام البائد!.

إن أولي عتبات تحقيق أهداف الثورة تكمن في تحرير رئيس مجلس الوزراء من هذا الثنائي ووثيقتهما المعيبة ، ومن ثم حوار سوداني سوداني من أجل سبر أغوار الأزمة التأريخية والتوافق علي حكومة مدنية بالكامل برئاسة د. عبد الله حمدوك ، يتم تشكيلها من شخصيات مستقلة مشهود لها بمقاومة النظام البائد وليس محاصصة حزبية ، تعمل هذه الحكومة علي إعادة هيكلة مؤسسات الدولة علي أسس قومية جديدة ، وتقوم بتنفيذ كافة القرارات الدولية بما فيها تسليم المطلوبين للجنائية ، وتعمل علي تصفية النظام البائد وكافة مؤسساته ، وصولاً إلي تفكيك المنظومة العسكرية والأمنية وبناء جيش قومي موحد ذو عقيدة قتالية متوافق عليها ، وأن يتتفر لديها مشروع وطني لمعالجة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية والثقافية وغيرها ، وتعمل لبناء دولة مواطنة متساوية لكل السودانيين.

لا تزال قضية شهداء مجازر الإعتصام في كتاب المجهول ، وبما أن ( الجواب يكفيك عنوانو) فإن عنوان هذه القضية الإنسانية والأخلاقية والوطنية هو الضياع والتقييد ضد مجهول رغم أن القاتل والمقتول معروفين والشهود أحياء ، وأعتقد أن القوم المتحكمون في المشهد يبحثون لهم عن أكباش فداء بدلاً عن الذين خططوا ونفذوا وأشرفوا ووجهوا علي إرتكاب هذه المجازر البشعة ويتحصنون بالسلطة، فلا عدالة سوف تنجز ولا حق سوف يسترد ، ولا قصاص سوف يتحققة، وكانت تصريحات د. نبيل أديب كاشفة لمآلات نتيجة التحقيقات وما سوف تسفر عنه!.
لن يسمح شعبنا ورفاق الشهداء بطى هذا الملف إلا بعد صدور إتهامات ومحاكمات للفاعلين الحقيقيين الذين تدور حولهم الإتهامات، ولن يتم القبول بأي مساومة سياسية بإخراج قانوني علي النحو الذي يجري إعداده.

مضي عام علي الثورة، وللأسف السلبيات أكبر من الإيجابيات ، فإذا كان هنالك من إيجابيات فإن شعبنا قد عرف نوايا وأهداف وقدرات من إستولوا علي المشهد في حين غرة من الزمان ، بعد كانوا يجالسون النظام البائد ويفاوضونه في أديس أبابا حول تقاسم الكعكة للإعتراف به ومشاركته في إنتخاباته التي كان يمهد لها في عام ٢٠٢٠م، وأن الجماهير قد عرفت من هم أصحاب القضايا الوطنية الحقيقية والمواقف النبيلة المنحازة للثورة وأهدافها وليس الوصول للسلطة علي جماجم الشهداء ودموع أمهاتهم وذويهم.

لن ينصلح حال السودان حاضراً ومستقبلاً إلا بعودة قطار الثورة إلي جادت طريقه الذي حرفته عنه قوي الذات والإنكفاء ، صاحبة الأحلام والأهداف الحزبية والشخصية القصيرة.

لا يزال هنالك أمل في إستعادة المشهد وتحقيق ما هتفت به الجماهير والثوار وحلموا به الشهداء ، فالثورة طريق طويل وشاق ومعقد ، يحتاج إلي صبر وعزيمة وعمل وإرادة وإيمان بالإنتصار.
إن شعبنا لم ينفد صبره ، ولم تفتر عزيمته ، ولم تهن عزيمته ، ولم يضعف إيمانه بالتغيير الشامل وتحقيق أهداف ثورته المجيدة ، وهو قادر علي قلب الطاولة وتغيير المشهد وموازين القوة.
إن الثورة التى مهرناها بالدماء والدموع تُراجع و لن تتراجع ، وسوف تبلغ تمامها مهما تطاولت الأزمان أو تآمر عليها المتآمرون ، فإرادة الشعوب غلابة لا تقهر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.