عصام جبر الله: أكتب عِدل ياخي

0 53

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

 كلما قرأت لمثل عصام جبر الله من معارضة الإنقاذ أقول في نفسي إنهم صارعوا الإنقاذ بدرجات متفاوتة من العزيمة، ولكنهم خرجوا صفر اليدين من جهة فهمها كنظام هو سليل تاريخنا الاجتماعي والسياسي. وهذه الحرب الباسلة لنظام لا تعرفه مما أخذه أستاذنا عبد الخالق محجوب على معارضة حزبه الشديدة المكلفة لنظام عبود. فقال إنها لم تخرج عن الإثارة. فقد حاربناه كنظام عسكري نريد له العودة للثكنات لا كنظام طبقي يتوسل بالعسكرية في الصراع الاجتماعي والسياسي. وبانت لي بلاهة المعارضين في تكرارهم الببغائي الولهان لسؤال الطيب صالح: من أين جاء هؤلاء؟ تكراراً يوحي كأنما انشقت عنهم الأرض، أو نزلوا من مركبة فضائية، ولم يخرجوا علينا من “ثقوبنا” كما قال نزار قباني مرة عن هزيمة يونو ١٩٦٧.

وحال دون العلم الوثيق بنظام الإنقاذ، ضمن أشياء أخرى، اعتقاد المعارضة أنه انقلاب. وهو كانقلاب باطل وما بني عليه باطل. ولذا ترفعوا عن التعاطي مع مؤسسية الإنقاذ طالما كانت أدوات غير شرعية لنظام مغتصب. فاستغربت للحزب الشيوعي مثلاً يطالب بمجانية التعليم والعلاج “كما كنت” كأن التأمين الصحي لم يكن فينا لعقدين من الزمان، وكأن الموسرين لم يعتزلوا الدولة في اقتصاد المستوصف والتأمين الصحي مع شركات عالمية. ومن أوضح أبواب الجهل المعارض بالإنقاذ فصم عراها بسيرة الثورة المضادة الديكتاتورية لطاقة التغيير في بلدنا التي تجسدت في نظام عبود ثم نميري. فمن شدة الإنقاذ عليهم تجدهم قارنوها بهما لصالحهما. وهذا باب في الجن العرفتو قريب من الشعوذة. فتسمع من يقول: عبود ونميري كانوا أرحم. وكأنهما ليسا وحش الإنقاذ ذاته في ظرف مختلف.

لولا جهل جبر الله بنظام الإنقاذ الذي وصفناه أعلاه لما استساغ مقارنة لجنة التمكين بأمن ومخابرات الإنقاذ في كلمة له على صفحته بالفيس بوك. وسنتوقف عند بعض شططه قبل أن ندخل في الثقيل. فقال عنها إنها “لجنة سياسية بامتياز”. وهي بالطبع سياسية بأمر الثورة. DA. ثم يتضح أنه لم يقصدها سياسية في هذا المعنى، بل لسيطرة قيادات حزبية سياسية عليها. ولا يقول المرء إن هيئة ما “سياسية” وهو لا يريد سوى أنها “حزبية”.

ووجدت جبر الله استخدم النفي المزدوج (double kick) بلؤم لئيم. فقال إن لجنة التفكيك لم تتحول من جسم دوره التضليل والتخدير في المطلب الثوري، وهو التفكيك الكامل لدولة الإنقاذ، إلا لتتحول إلى مؤسسة غول غير محدود الصلاحيات لها جهاز أمنها ونيابتها. فنفى عنها قيامها بواجبها المناط بها إلى التخدير والتضليل. ولم يكفها ذلك ضلالاً لتتحول إلى جهاز فالت ومتغول على صلاحيات الدولة. وهي عبارة مرهقة حتى قد يصح القول إنها من “نفي النفي إثبات”، أي أن اللجنة ربما كانت على الجادة. وبدا لي أن جبر الله لم يطلع على قانون تأسيس اللجنة. فلو فعل لربما أخذ شططاً عليها هنا وهناك (وعلى غيرها ممن امتنعوا عن استكمال شغلها بالاستئناف منه) بغير أن يجرؤ على الزعم أنها لا تملك صلاحيات وأسنان هي في أصل التأسيس.

وفي حديث قادم نعرض لمقارنة جبر الله العجفاء بين لجنة التفكيك وجهاز أمن ومخابرات الإنقاذ التي بدا أنه لم يعرف منهما سوى أنهما “كاكا”. فلا يزين مقارنته علم وثيق بهما. فوجوه الخلاف بينهما مثل السماء والأرض. بل بدا لي من استعداد جبر الله لمجرد المقارنة بينهما سوء طوية عظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.