علي هريمي يؤانس شباب حي الداخلة: جيل الصدى

0 111
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
مما يشرح خاطري حيث أنا الطريقة التي يجالس فيها رفيقي وقريبي على أحمد هريمي من موقعه في الخرطوم بالواتس شباب حيه القديم بالداخلة بعطبرة. فيصبح عليهم. ويمسي عليهم. ويعزي في الميت. بل يستل عن الميت صورة قلمية عنه من مخطوطه له عبارة عن دائرة معارف لسائر من عاصرهم أهل الداخلة. وهذه تبعة من سمتهم جماعة أفريقية ما ب”جيل الصدى”، أي جيل التاريخ. وهو جيل الطمأنينة. فلا يقع حادث مروع مثلاً إلا استدعى مثله ليأمن الجيل الحدث من الزعازع. وكأنه يقول لهم لقد وقع مثله على من قبلكم ولم تهلك الدنيا. وكان آخر ما قرأت له من صدى سيرة المرحومة آمنة حسب الباري حمزة:
دار آمنة كان مشهوراً بكورية بت حمزة. تفاجئ الجيرة بمطايب وخيرات دارها العامرة. ببطيخة. وود لقاي. وقنقر. ومفروك اليوم. ولقيمات يوم الخميس.
وهريمي مثلي خريج مدرسة شيوعيّ الداخلة التي أسسها عبد الله محي الدين ساهرة العين على الناس في حركاتهم وسكناتهم آناء الليل وأطراف النهار. كنت مثلاً متى حللت المدينة أخذني إلى بيوت بعد بيوت لمجاملات حاضرة في ذهنه كالجمر. ونظمت في ذكراه قبل عقد من الزمان سمناراً عن نهجه القيادي وحيلته الواسعة في أخذ الناس بالحكمة والموعظة الحسنة إلى عمار حيهم أو ما سماه “أهرامات الداخلة”. وكان عنوان السمنار الذي انعقد في مبنى بلدية عطبرة “عن الأيادي الخضراء”. وكثيراً ما ما قلت إن كانت عطبرة خيار في الشيوعية فشيوعيتنا في الداخلة خيار من خيار.
وينشر هريمي أيضاً على منبر الشباب صوراً قلمية أخرى عن أيامه الجميلة في صحبة الكثيرين من جيله في مدرسة كمبوني. وهي صور عادت بي إلى أوائل الستينات حين عملنا معاً ليتلقي الطلاب دروس الدين الإسلامي في داخل مدرسة كمبوني بعد أن كانوا يلقوه في مدارس أخرى. وكان هريمي في اتحاد طلاب المدرسة وكنت قريباً منه بحق الزمالة. ووجدنا أنفسنا نستعيد معاً تلك الواقعة في ٢٠٠٢ لنرد على محمد سعيد محمد الحسن الذي نسب للسيد محمد عثمان الميرغني، يلحقنا، إدخال منهج الدين الإسلامي في مدارس كمبوني بالخرطوم في ١٩٦٥. فقال محمد سعيد إنه لما علم السيد من ابنه علي، الذي دخل مدرسة الكمبوني بالخرطوم، أن الدين الإسلامي لا يدرس بها طلب من يحي الفضلي، وزير التربية في ١٩٦٥، أن يسعى مع المدرسة إلى تدريسه بها.
وكتبتُ وهريمي كلمة في الرد على محمد سعيد عن تلك الذاكرة القديمة العائدة إلى ١٩٦٢ لدخول مادة الدين الإسلامي مدارس كمبوني. ففيها فرض اتحاد الطلبة كمبوني بعطبرة على المدرسة ذلك المنهج بنضال نقابي متعدد الوجوه. وكان قوام ذلك الاتحاد شيوعيين فيهم هريمي خلا إسلامي واحد. ومن ذيول ذلك النضال قيام مدرسة النيل الحالية المعروفة أيضاً بمدرسة الجلود لأن المدينة، التي استفزتها مواقف لكمبوني من تدريس الدين، مولت بناءها من جلود الأضاحي. وهي المدرسة الأهلية الثانية التي تنشأ في عطبرة بعمل جماهيري سياسي. فكان العمال بنوا مدرسة العمال الوسطي خلال إضراب الثلاثة والثلاثين يوماً في ١٩٤٨.
كتب هريمي مؤخراً من مذكراته “أحلى سنوات العمر” بالكمبوني عطبرة عن زميله في الدراسة عثمان سرالختم:
“عثمان تقلد رئاسة اتحاد الطلاب في دورته الثانية بعد دورة برنقه (اسم) التأسيسية. اكتشف أب الفصل أن عثمان في حالة وله وهيام من جانب واحد نحو نجفة الفصل س ص. خبلته بلونها القمحة. ومفاتن القوام، والحولة الأخاذة. كان عثمان يدمع لا إرادياً. الدمع القسري مثل حصان ود الضو. يبكي منو لي. المدهش أن س ص لم تحس به ولم تعبره. كان شعاره في كراسته: مهما تزيد آلامي عاشقك يا نور ظلامي. عناب كمبوني كان مصدر جنون رهط من الطلاب البكايين”
واقترح هريمي على منبر الوفاء للداخلة قبل أيام قيام حفل وفاء لفنان الداخلة عبد الله صباحي. وأتوقف هنا لأعرفكم بهذا الفنان الخفي في حديثي القادم إن شاء الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.