عن حاجة فاطمة والمريسة الأفرنجية

0 67
كتب: جعفر عباس
.
توقفت طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية التي كانت تقلنا من الخرطوم إلى أبو ظبي في أسمرا (ترانزيت) لنستقل طائرة أخرى بعد 8 ساعات، وبدأ الركاب في النزول في أسمرا وكانت هناك سيدة كبيرة السن تجلس على يميني ويفصل بيننا فقط الممر، فعرضت مساعدتها على النزول، فرحبت بذلك بوجه منشرح الأسارير وقالت: كان عارفة أبو ظبي قريبة كدي كُت سويت الدرب ساساق، فشرحت لها اننا في مطار اسمرا لنأخذ طائرة أخرى بعد ساعات الى أبوظبي.
وفي المطار تم التعارف بيني وبين “حجة فاطمة” واتضح ان ابنها التي هي بصدد زيارته من أعز أصدقائي، وكانت الخطوط الإثيوبية تدلع ركابها في ذلك الزمان، وهكذا وفي صالة الترانزيت كان كل ما في الكافتيريا / البار من شراب وطعام يقدم بالمجان للركاب، ونلنا انا وزوجتي وحاجة فاطمة كفايتنا من الطعام والفانتا، ثم سألتني الحاجة عما تفعله مجموعة من الركاب كانوا في كاونتر البار وأمامهم كؤوس وقوارير كثيرة، فقلت لها إن الخمر في مطار اسمرا بالمجان، فوضعت يدها فوق رأسها وقالت: والليلي (كانت شايقية) كان شافهم نميري مع “المريسي” دي، يدقهم دق العيش، وكان ذلك عقب قرار حكومة نميري منع تسويق الخمر في السودان.
ثم نقلونا الى فندق نيالا في قلب أسمرا، ورتبت للحاجة فاطمة الإقامة في غرفة مع زوجتي، وخرجت مع مجموعة من المسافرين وذهبنا الى مقبرة الجنود السودانيين الذين قتلوا في معركة كرن خلال الحرب العالمية الثانية، كما زرنا قبر مطربنا الكبير محمد أحمد سرور، وبعد العودة الى الفندق جلست اتسامر مع الحاجة وكلما احضرت لها طعاما او شرابا رفضت وهي تحسب انني أدفع قيمته، ثم ركبنا الطائرة مجددا وأجلسناها في صف واحد معنا ولما قدموا لنا الطعام فرفضت تناوله وهي أيضا تحسب انني سأدفع ثمنه ولما قلت لها ان كل ما نأكله ونشربه في الطائرة بلا مقابل قالت: الحبش ديل ما قالوا كفار تراهم كريمين متلنا.
(لحين من الدهر كان بعض السودانيين الذين يعملون في المنطقة الشرقية في السعودية يتفادون السفر المباشر الى السودان بالخطوط السعودية ويتوجهون الى البحرين لركوب الطائرة السودانية لأنها كانت تقدم “الشراب” للركاب، وفي ذات رحلة كانت هناك عاصفة ترابية منعت الطائرة القادمة من البحرين من الهبوط في الخرطوم، فعادت شرقا ونزلت في مطار جدة، وبدأ الركاب في النزول ومن بينهم راكب كان في حالة سكر شديد، ما ان وصل الى اسفل سلم الطائرة وانتبه الى وجود عقالات ولحى طويلة حتى صاح: انتو معانا لي هنا لعنة الله عليكم يا، ويا، ويا، فشالوه “طب العصب”، وبعد أيام قدموه للمحاكمة وجلدوه ثم ألغوا إقامته وكانت سكرة باهظة الثمن).
تواصل الود بيننا وبين حاجة فاطمة بعد وصولنا الى أبو ظبي بحكم علاقتي القوية بابنها، وذات يوم زارت جارة بحرينية زوجة ابنها وجلست تتسامر معها ولم تفهم حاجة فاطمة شيئا من كلامها فمالت عليها وسألتها: يا بنيتي إنتِ دنقلاويي؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.