غريب ديار وغريب أهل

0 111
كتب: جعفر عباس
.
بعد أن ثبت طبيا ان زوجتي حامل بطفلنا الأول ومع الزيارة الأولى للطبيب استنتجت ان وضعي المالي كارثي، لأن الأمر يتطلب فحوصات كثيرة كانت كلفتها نحو 60 جنيها، ثم زيارات متكررة الى العيادة وصولا الى مراحل الكشف بالموجات الصوتية، فكانت الهجرة الأولى بعد ان حصلت على وظيفة مترجم في شركة أرامكو السعودية
وصلت مطار الظهران واستقبلني مندوب الشركة وأعطاني مظروفا به 3000 ريال، وكانت تلك أول مرة اتعامل فيها مع الألف، ولو وجدت طائرة تعيدني الى السودان في تلك اللحظة لما ترددت في العودة اليه، وكانت أرامكو وقتها خاضعة تماما لإدارة أمريكية واكتشفت انه ليس من حقي استقدام زوجتي إلا لزيارات مدة كل منها 6 أشهر فقط، وان زواجي سيصبح “مسيار”، ثم سهلها ربنا وحصلت على تأشيرة دخول الى قطر التي قضيت فيها سنة واحدة حتى وجدت وظيفة في صحيفة امارات نيوز الإنجليزية في ابوظبي وفور اكتمال إجراءات التعيين اعطوني 30 الف درهم (نحو 8250 دولار) كبدل اثاث، وفكرت في الزوغان بالمبلغ عائدا الى السودان، ولكن ابليس قال لي: لو دا مجرد عربون تخيل يا أبو الجعافر الألوفات التي ممكن ان تفوز بها لو بقيت في الوظيفة، وهكذا ضحك ابليس علي وما زلت اناضل لتكوين النفس، ثم عدت الى قطر مجددا الى ان وجدت عملا في بي بي سي في لندن ثم باي باي لندن والعودة الى قطر التي ما زلت صامدا فيها
أحسن من صور تجربة الاغتراب هو الشاعر إسماعيل حميم:
يا غربة .. يا غشاشة .. يا بكاية .. يا مستهبلة/ تغرينا بي درهم قروش وراه قنطار بهدله/ جيناك سنة .. أو قول سنين بنكملا/ نبني البيوت في العاصمة/ وكرولا حاره نرسله أصلو التنقل مشكله/ ونكمل الدين بي مهل والسمحة جاهزة نحصلا/ لكن حساباتنا الغلط في كل عام بنرحلا/ والحسبة وصلت طاشرات يمكن نعيش وندبلا/ كان للقروش نجري ونحوش لكن تقول بنشاكلا/ ما راضية تقعد في الجيوب وتقول حرامي بينشلا/ ممحوقة ما بتقضي الغرض وأقل حاجة تكملا
ومعظم السودانيين يغتربون بدون “خطة او جدول زمني”، ويمارسون الخمج في سنوات الغربة الأولى ويعيشون بنظام رزق الشهر بالشهر، وهناك من يحسب نفسه بيل غيتس وينغمس في حياة الفخفخة والعنطزة، وهناك من يحاول “تعويض” ما افتقده قبل الاغتراب، كما صاحبنا الذي وصل الى السعودية اول مرة واعطوه سلفة فذهب الى دكان الفاكهة وقال لصاحبه: أديني كيلو من التين والزيتون- وكان يحسبهما شيئا واحدا، وهو أحسن حالا من الآخر الذي عانى من البواسير في بدايات اغترابه وذهب الى الطبيب وحصل على دواء ولكن وكلما نزل الدواء في بطنه استفرغ، وشكا أمره لمجموعة من أولاد البلد سبقوه الى الاغتراب الذين ما ان رأوا الدواء حتى قالوا له احمد ربك انك حي، فقد كان صاحبنا يبلع تحاميل البواسير بالفم وكانت تلك أول مرة يعرف بأمر التحاميل
]عندما كنت اعمل في أبو ظبي كانت تربطني علاقة ود قوية بعدد من الزملاء من اهل البلد، ولكن وعندما أجريت عملية بواسير وغبت عن العمل قرابة شهر لم يكلف واحد منهم نفسه مشقة السؤال عني ولما عاتبت احدهم على ذلك قال لي: ما تستحي؟ مسوي عملية بواسير وتبي (تريد) الناس يزورونك؟ وعلمت منه ان الخليجي لا يجري عملية البواسير في بلاده ابدا[

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.