لا تدسُّوا المحافير من فضلكم

0 85
كتب: د. النور حمد
تداعى العالم بأسره مساء أمس الخميس 26 يونيو 2020، في مؤتمرٍ غير مسبوقٍ لدعم الفترة الانتقالية ومواجهة تحدياتها الاقتصادية الضاغطة، ومن ثم، إنجاح عملية التحول الديموقراطي المرتقبة في السودان. أشاد عددٌ من المتحدثين بثورة السودان مبدين إعجابهم الكبير بشجاعة الشباب السوداني، ووقوفه بصلابة، وبسلمية، في وجه نظامٍ ديكتاتوريٍ باطشٍ متجبِّر. لقد أعاد شباب وشابات احترام الأسرة الدولية للسودان، من جديد، بعد أن فقده لعقود. وقد كان باديًا في حديث جميع المتحدثين الصدق والجدية والحرص على أن يعبر السودان من مربع اللااستقرار والفقر والعزلة الذي طال مكوثه فيه، إلى مربع الاستقرار والتنمية والازدهار. شاركت في هذا المؤتمر، أكثر من أربعين جهة؛ مثلت بلدانًاٍ، واتحادات بلدان، ومؤسسات مالية وتنموية مختلفة. وقد قدمت أرقامًا مالية محددة.
إن أول انطباع يمكن أن يخرج به المرء من هذا المؤتمر التاريخي، هو أن اختيار الدكتور عبد الله حمدوك لرئاسة وزارة الفترة الانتقالية، قد كان موفَّقًا، بكل المقاييس. فلقد تجلَّت خبرته المهنية ومعرفته اللصيقة ببيئة العلاقات الدولية، والاحترام الدولي الذي يتمتع به، في فكرة عقد هذا المؤتمر وفي نجاحه اللافت. ولو تركنا العون الاقتصادي الذي أسفر عنه هذا المؤتمر، جانبًا، فإن الدعم المعنوي الذي جلبه للسودان، لا يقل أهمية. ولو أضفنا، إلى هذا المؤتمر، الاختراق الكبير المتمثل في استقدام البعثة الأممية (يونيتامس)، والموافقة على نقل السودان من الفصل السابع الذي ورط فيه حكم الانقاذ البلاد، إلى الفصل السادس، ثم العون الأممي المتنوع الذي سيصاحب عمل البعثة، فإن انجازات حمدوك النوعية، تصبح واضحةً وضوح الشمس. أيضًا، ترددت أنباءٌ قبيل انعقاد هذا المؤتمر، منسوبةٌ إلى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قال فيها إن الأسابيع القادمة ربما تشهد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وقد كان لافتًا للنظر في أحاديث الذين شاركوا في هذا المؤتمر، خاصة الغربيين، إشاراتهم المتكررة إلى ضرورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإعادة دمجه في المجتمع الدولي.
أما الخلاصة الأهم في تقديري، فهي أن هذا المؤتمر، وغيره من الاختراقات الأخرى التي أشرت إليها، قد قلبت الطاولة على كل الحالمين بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من كارهي الثورة، وفلول النظام المدحور؛ من مدنيين وعسكريين. لقد أصبحت الفترة الانتقالية الآن مراقبةً بعيون المجتمع الدولي. وأصبحت بالإضافة إلى حراسة الشارع السوداني الواقف على أمشاط أصابع قدميه لها، محروسة، أيضًا، بهذا الاهتمام الدولي الواسع، المتنوع. لقد عزف المجتمع الدولي نغمةً أساسيةً لن تملك القوى الإقليمية خيارًا سوى العزف على إيقاعها وسلمها.
لكن، مع كل ما تقدم، لابد من القول إن المكون الرئيس لحل مشاكل السودان يأتي من داخل السودان، وليس من خارجه. ما ظل يجري في جوبا من مباحثات سلحفائية، لا تصلنا منها سوى روائح المحاصصات الكريهة، نغمةٌ نشازٌ، غير متوافقة مع لحن التغيير. و”ورجغة” كارهي الثورة، في الصحف المأجورة، وفي وسائط التواصل الاجتماعي، نغمةٌ نشازٌ هي الأخرى. وتعطيل المرافق واختلاق الأزمات، نغمةٌ ثالثةٌ نشاز. واشرئباب عنق المكون العسكري، ليطغى على المكون المدني في الصورة، نغمةٌ رابعةٌ نشازٌ. فيا هؤلاء، وأولئك، لقد جاء العالم ليعيننا على دفن جثة فشلنا المُزمن النتنة، فلا تدسوا المحافير من فضلكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.