ما هو السبب الفعلي وراء لقاء البرهان ونتنياهو؟

0 61

بقلم : نجاة محمد علي
بعد أن أعلن بنيامبن نتنياهو عن لقائه بعبد الفتاح البرهان، لم يصبح هناك مفر من الاعتراف بهذا اللقاء، والعالم قرية، أو هبشة كي بورد. برر البرهان هذا اللقاء بأنه تمَّ بقصد طلب توسط إسرائيل لدى الأمريكان لرفع العقوبات مقابل التطبيع. لكنها حجة غير مقنعة. مؤكد أن مؤامرة كبيرة مدسوسة تندس وراء هذا اللقاء. الأمريكان لهم أسبابهم لوضعنا في قائمة الإرهاب. أسباب تتعلق بمصلحتهم العليا، لا يقرر فيها أحد سوى الأمريكان نفسهم. وحتى لو كان هناك جهة يمكن أن تؤثر عليهم، فهي من دون أي شك ليست إسرائيل. فالدولة العبرية ليست قوى كبرى تأبه لها أمريكا. إنها صنيعة أمريكا واستمرار حياتها مرهون برغبة الأمريكان. اليوم الذي تقرر فيه أمريكا دمج الدولتين العبرية والفلسطينية في كيان واحد (وهو ليس ببعيد)، ستبحث إسرائيل حينها عن من يتوسط لها ولن تجد.
لا أستبعد أن تكون هناك صفقة مدسوسة. مثلاً تسهيل مشاريع استثمارية، بيع أراضي سودانية، بيع مياه شرب معبأة…إلخ. وأن يتم كل ذلك بالواضح أو تحت تغطية إماراتية، قطرية، مصرية…إلخ. وبما أن الجيش، وهو مؤسسة لها شركاتها التجارية الخاصة الفالتة عن سلطة الدولة، هو الذي أصدر بياناً حول هذه الزيارة، دون سبب يسمح له بذلك، يبدو لي أن احتمال عقد صفقة تجارية مع القوات المسلحة هو تصور ممكن جداً.
إسرائيل دولة فقيرة جداً من ناحية الموارد، ومساحتها صغيرة لا تتيح أي توسع في الزراعة، وتعاني من شح في مياه الري والشرب. والسودان دولة ترتع فيها شركات لا تخضع لأي رقابة في بلد واسع الأطراف غني الموارد، علاوة على وجود نظام سياسي هش فيه الغلبة للجيش، مما يسهل لها عقد أي صفقة دون رقابة من جهة أخرى.
****
وحكومة “الكفاءات” آخر من يعلم
زيارة البرهان ليوغندا سراً هي فعل لا أخلاقي. واتفاقه مع نتنياهو ينافي كل الضوابط الدستورية والقانونية. لأن الحكومة هي التي تضع وتنفذ سياسة البلاد الخارجية. وفوق كل ذلك يحرِّم قانون مقاطعة إسرائيل لعام 1958 أي علاقة معها، ويضع عقوبات صارمة تصل للسجن لمدة عشرة أعوام في حال أي اتصال مع الدولة العبرية. ولا بد أن الخروقات الأخرى التي ارتكبها البرهان كثيرة.
حتى ولو كان من الممكن تدخل وساطة لدى الأمريكان لرفع العقوبات، فإن حل مشاكلنا عبر دولة محتلة مغتصبة لأرض شعب آخر يرزح تحت نير القهر والمعاناة، هو فعل لا يليق بشعب يرفع شعار الحرية والسلام والعدالة ويعرف معنى الكرامة. هذه قضية مبدأ. تضرب إسرائيل شروطاً خانقة على الشعب الفلسطيني وعقوبات (أجل عقوبات، مثل التي نعاني منها وأسوأ) اقتصادية ظالمة. فالدولة الفلسطينية ليس لديها بنك مركزي. وتمر كل المعونات المالية التي تأتي للدولة الفلسطينية عبر إسرائيل. وكل البضائع التي ترد للشعب الفلسطيني تخضع للرقابة الإسرائيلية. هذا غير الغارات التي لا تتوقف وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية في تحدٍ سافر للقانون الدولي.
ومنو القال للبرهان ـ ولغير البرهان من المهللين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ـ إنه أمريكا حترفع العقوبات في حالة التطبيع مع إسرائيل؟ قال المثل السوداني “السترة والفضيحة متباريات”. فأحسن انستروا، فالإدارة الأمريكية ما عندها أمان.

االأهم من كل ذلك، أنه وسط المفاجأة التي فجرها إعلان نتنياهو عن الزيارة، أن فاجأنا فيصل محمد صالح بأن الحكومة ليس لها علم بهذه الزيارة. وذلك يستبطن احتمالين: أن تكون الحكومة ليس لها بالفعل علم ولا بد في هذه الحالة من أن يأتي رد فعلها مرتفعاً لمستوى الإساءة التي وجهها البرهان للشعب وحكومته. أو أن يكون في الحكومة من هو على علم، وعلينا أن نستعد للخطوة التي يجب علينا اتخاذها. إلا أن رد فعل حكومة الكفاءات الوطنية جاء هزيلاً، وفيه تناقضات، كما نرى.
****

لكننا فوجئنا باللقاء الصحفي الذي أجراه السيد رئيس مجلس السيادة الأربعاء 5 فبراير 2020 بالقيادة العامة وقدم فيه إفادات مختلفة عن ما ذكره في اللقاء المشترك.

وماذا بعد المفاجأة، خاصة مفاجأة أن حمدوك كان على علم؟ ليس سوى نفي هزيل عابر. رئيس مجلس السيادة يوجه اتهاما على درجة عالية من الخطورة لرئيس مجلس الوزراء، ويكتفي هذا الأخير ـ عبر هذا البيان ـ بالإعراب عن تفاجؤه!
نحن مقبلين على مرحلة حرجة بوجود سلطتين متنافرتين في قمة الدولة. مجلس سيادة في يده السلطة وقوة السلاح وقوة العين. ومجلس وزراء يكتفي بـ”التسامي عن الصغائر”.
****
عارضون خارج الزفة

بدلا من النظر إلى هذه العملية التي تحدى فيها البرهان إرادة الشعب واحتقر الحكومة الانتقالية متعدياً على سلطاتها وتناولها باعتبارها عملية انقلابية وسرقة للثورة، نحى البعض نحو نقاشات ومغالطات ومحاججات حول التطبيع مع إسرائيل ورفع العقوبات والعلاقة مع القضية الفلسطينية، و”صفقة القرن” “الترامبية”، تاركين القضية الأساسية جانباً. يتساوى في ذلك الحزب الشيوعي الذي أفرد جُلَّ البيان الذي أصدره إلى القضية الفلسطينية، ومن منظور عروبي، وهو التنظيم المأمول فيه أن يتناولها كقضية من قضايا التحرر الوطني أولاً. والجمهوريون الذين أخرجوا من جرابهم فكرة حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل جاءت في سياق سابق مختلف. لم يعط بيان الحزب الشيوعي للخطر الذي يهدد الفترة الانتقالية ولأولوية حماية الثورة من خطر الجيش وتعديه على الشرعية الثورية سوى الثلاثة أسطر الأخيرة من بيانه. بينما أفرد الجمهوريون معظم فقرات بيانهم لرأي الأستاذ محمود محمد طه في التطبيع مع إسرائيل، مفسحين الأولوية لهذه الفكرة التي لم يضيفوا إليها شيئاً يواكب متطلبات وقتنا الراهن، ووضعوا قضيتنا الملِّحة في رف الانتظار. هذه مجرد نماذج بين أخرى كثيرة صدرت عن سياسيين ومحللين. ماذا أصاب تنظيماتنا السياسية وما الذي حلَّ بقدراتها على مواجهة الواقع الراهن واجتراح الحلول لمشكلاته.
في هذا السياق القاتم، يتوجب على قوى الحرية والتغيير أن تواجه هذا الوضع بالشجاعة اللازمة وانتزاع سلطاتها التي تخولها لها الوثيقة الدستورية من يد العسكر. فالبيان الهزيل الذي صدر باسم الناطق الرسمي لمجلس الوزراء ينم عن ضعف في بنية الحكومة يحتاج إلى تقويم عاجل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.