محنــــــــــــــة عبيــــــــــــد الفقهـــــــــــــاء
كتب: آدْمُ أجْــــــــــــــرَىْ
.
يستنكر كثيرون النهج الذى يتم به المطالبة بالعلمانية، يصفونها بالإملائية والديكتاتورية، ويطالبون بالإحتكام برأى الأغلبية. وللإشارة فإن ظاهرة الــ ٥% التى تصوت وتحدد مصير الشعب بأكمله ورطة تعبر عن أزمات فى العملية الإنتخابية فى وسط لا يكترث بها، سنتجاوزها مؤقتاً، لكنها ذا صلة بتقييم الكفاح المسلح جدوى إجراء إنتخابات قبل تحقيق الوحدة الوطنية كما حدث عام ١٩٨٦م، وما تلته.
الديمقراطية غاية تتحقق بعد بناء مؤسساتها والإتفاق على الماعون الذى يحقق وحدة الشعوب، منها تأسيس المواثيق الحافظة حقوق الأفراد والفئات. وبما أنه لا يجوز –مثلا–النص على تجريد فرد من مكتسباته الشرعية بصوت الأغلبية، لا يحق أيضاً إقدامها على إجراء يشعر معه الفرد بإضرار واقعة عليه وقهر يمارس فى حقه. طرد نواب الحزب الشيوعى من البرلمان عام ١٩٦٥م كان نموذجاً فاضحاً لتعسف الأغلبية وتجرؤها على فعل يفترض ألا يحق له، وفى الدولة الدينية يسهل تأسيس موقف مماثل ضد فئة غير مرحبة بها.
الوحدة التى على أساسها تمارس الديمقراطية لم تتحقق وغيابها بات وقوداً مؤججاً لصراع الحكومات مع مواطنيها.
بإستثناء أنانيا-ون، لم ترفع جهة ذات وزن حقيقى راية الإستقلال، المتهربون من دفع إستحقاقات الوحدة وزنهم لا يستهان به، أصواتهم أعلى، والترابى إقترح ذات يوم تقسيم السودان إلى قطاعين تنفرد الحركة الشعبية بحكم الجنوب مقابل رفع يدها عن الشمال.
كيف يحكم السودان! مرتبط بكيفية تشكيل الدولة، وتوابعها المتمثلة فى الديمقراطية وأدواتها مثل الشفافية والمحاسبة، فأين موضع العرق هنا؟ أين الدين؟ وما دور فقهاء السلطان؟
لا مكان لمثل هذه الأشياء لأن العلمانية تنظر إلى الأفراد – مهامهم وحقوقهم – بموضوعية، تقدم التكنوقراط على حساب الخاخامات، تفك إرتباط المؤسسات بالأعراق، تقوى المنافسة، تطلق العنان للتفكير والإبداع، تسهل وصول الافراد إلى غاياتهم، تحمى حقوق الملكية الفكرية، ولا دين يشير إلى شيئ كهذا.
فقهاء السلطان لم يقدموا شيئاً ذا قيمة، ظلوا لقرون يستعبدون شعوباً شرقية ضللوها بالمزيد من الترسبات السلبية، إنزلوا حوائل بينها وبين عالم التفكير والإبداع حتى باتت مثل دجاج الاقفاص، لا تعرف حرية ولا تطور مهارة، إنما تكتفى بهضم منتجات حرية الفكر، والفاصل الذى بينهما هو نفسها المسافة بين البداوة والحضارة. واليوم بعد رهق سباق لا تؤهلهم اللياقة الجسمانية لخوضها، وتنامى قلقهم على إنصراف الأتباع –فرار العبيد – لا يملكون إلا مراقبة مساعى علماء العصر، حتى إذا ما أفلحوا فى كشف ما، سارعوا إلى نسبه إليهم.
قوة الحرب على الفساد فيها تقويض للعنصرية – فى دواوين الدولة على الأقل – وتحقيق شعار: الوقوف على بُعد متساوٍ من الأديان والمكونات الاجتماعية. عندئذ تبيت الجماهير أكثر طمأنينة فى أن الامور تسير على ما يرام، سوف لن تعبث بقارب يقل الجميع، لن تتهرب من الضرائب بعد أن تأكد لها حسن توظيفها وعدم سرقتها، عندئذ ينحسر الإشتغال فى السياسة، ويشد الرحال إلى الإبتكار والاستثمار.