مسلسل أصدقاء Friends في ذكراه الخامسة والعشرين: صناعة الضحك

0 67
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(احتفلت أمريكا يوم أول آمس بمرور ربع قرن على انتهاء المسلسل الفكه “أصدقاء” الذي بدأ البث في آخر ١٩٩٤ وأكمل حلقاته في ٢٠٠٤. وتأخرت الذكرى عن ٢٠١٩بسبب الجائحة. وكنت كتبت في مناسبة ختام بثه كلمة استعيدها أدناه)
ودعت أمريكا يوم الحميس ٨ مايو ٢٠٠٤ ستكوم (المسلسل الفكه) “أصدقاء” الذي ظل يروح عنها ويسليها مرة في الإسبوع ولنصف ساعة خلال عشرة أعوام . وقد تسمر 5و52 مليون أمريكي حول التلفزيونات علي مؤشر شبكة الإن بي سي يتابعون الحلقة الطقوسية الأخيرة التي استمرت لساعة من الزمان سبقتها ساعة اخري حشدت بمنتخبات من إرشيف الستكوم. ويتكون هذا الإرشيف من 260 حلقة شاهدها إسبوعياً 22 مليون أمريكي. وإذا صح إحصائي كان عائد المسلسل 2 بليون دولار من قيمة إعلانات الشركات التي تهافتت للترويج لبضائعها أمام هذا الجمهور الغفير، ومن تأجير الحلقات القديمة لمحطات التلفزيون في أمريكا وغيرها، ومن الفيديو والسي دي. وبلغ من شره الشركات للإعلان في العرض الختامي أنها دفعت نحو مليون دولار للدقيقة الواحدة.
جاء “اصدقاء” الي التلفزيون في 1994 وزحلق بسرعة البرق من الصدارة مسلسلاً للتحري في الجرائم الغامضة بطلته سيدة كبارية نوعاً ما. وسئلت السيدة عن توقف برنامجها فقالت محتارة: “لا أدري كيف أفتتن الناس ب “أصدقاء” وهو عبارة عن 6 اصدقاء من الشباب يلتقون في مقهي في وسط مدينة نيويورك ويتحدثون عن الجنس”. وهو وصف بليغ وسديد. فليس في أصدقاء ممارسة قوية للجنس أو حتى غير قوية. إنه برنامج حشمة جداً. ويبدو أن سر نجاحه كامن في أنه حديث عن الجنس لا استغراقاً فيه. وأليس هذا شأننا الواقعي في الحياة؟ فنحن في المشاهد ربما تحدثنا عن الجنس بأكثر من ممارستنا له.
فالحديث عن الجنس في الواضح لا يقل متعة من ممارسته. فراشيل، التي هي بمثابة البطلة في مسلسل بلا بطلة، ظلت تنظر بشغف عجيب الي فيبي، الفتاة ذات القول العاثر النبيه، تتحدث الفرنسية. وقالت لها بشهوة أن حديثها بالفرنسية مثير جداً. ولما واصلت فيبي الحديث بالفرنسية قاطعتها راشيل قائلة: “أرجو أن تكفي عن الحديث بالفرنسية أو ستجديني من فوقك ومن تحتك من فرط الإثارة”. ولم يقع شيء من ذلك. ولكنه حديث الجنس للجنس عن الجنس. أو يوم أخذ جوي، الذي هو مثل زين الطيب صالح الدرويش النبيل، صديقه شاندلر الي ترزي حلته القديمة ليفصل له منطلوناً. وقد ارتاب شاندلر أن الترزي ربما كان طاعماً لأنه أعتني بآلته خلال القياس بشكل غير طبيعي. وهدّأ جوي روعه وقال له إن هذا من ضرورات المهنة. وسأل جوي صديقهم روس، الذي هو بمثابة بطل الستكوم ولا بطل، إن لم يكن حديثه عن إصول قياس الترزية صحيحاً. فقال روس: “نعم صحيح جداً لو تم ذلك في السجن”. وللسجون في امريكا سمعة مخيفة في الممارسة الجنسية.
كنت من بين ال22 مليون أمريكي الذين لم يتأخروا الإ لضرورة قاهرة عن حضور هذا الطقس الأمريكي في السابعة من مساء كل خميس. وراشيل، التي يجمعها حب مضطرب متقلب مع روس في المسرحية، هي نجمي المفضل في الستكوم. وهي جميلة بالطبع لكن في فكاهتها ذكاء وطلاقة وطاقة غير عادية. وهي في واقع الحياة زوجة للممثل برات بيت الذي هو مضرب المثل في الوسامة هنا. وقد انتظرنا الحلقة الأخيرة بفارغ الصبر لنعرف إن كان روس وراشيل سيجتمعان في الحلال أخيراً. فقد أحزننا أن راشيل قد عثرت علي وظيفة ستضطرها للإقامة في باريس. وقنعنا. ثم انتبه روس الي أنه لن يسمح بذلك. وكان ذلك بعد فوات الأوان لأنه، حين وصل المطار ليكاشفها بدخيلة نفسه، كانت قد امتطت الطائرة.
وتولت فيبي ذات القول العاثر الأمر نيابة عنه. فهي من أصول متشردة أصلاً ولذا كانت ماهرة في حل المعضلات برغم طرطشتها. وأمسكت بالتلفون وضربت لراشيل في الطائرة أن تنزل منها لأن “الفلانجي” في الطائرة محلول. وكعادتها قطعت هذا الإسم من رأسها. وفعلت رسالة فيبي فعل السحر. فقد سمع جار راشيل المحادثة وتوتر ونهض ينبه من بالطائرة الي ان “فلانجي” الطائرة فاسد وسيهلكون جميعاً إذا لم ينزلوا. وقد فعلوا. وهكذا تأخرت راشيل عن السفر ليلقاها روس ويكاشفها ويستعيدها. وتنفسنا جميعاً الصعداء.
ومن أطرف، وربما افجع، ما قرأته في وداع “أصدقاء” ما كتبه توماس فريدمان الصحفي المعروف في الأوساط العربية. فقد قال إن العالم يكرهنا جداً حتي في اليابان التي عاد منها مؤخراً. وقال إن مثل هذا العداء يهدد إستثمارنا لأمريكا كقوة للخير في العالم. وقال إنه لا يستغرب الإنشغال الأمريكي العظيم بوداع “اصدقاء”. وزاد بأنهم وحدهم من تبقي لنا من اصدقاء وها نحن نلقي عيهم تحية الوداع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.