ملحمة سد النهضة

0 98

كتب د.النور حمد:

يمثل مشروع سد النهضة، الفرصة الوحيدة لإثيوبيا لانتشال شعبها من ربقة الفقر. فتعداد الشعب الإثيوبي يزيد عن 100 مليون نسمة. وأثيوبيا، في مجملها هضبةٌ، صخريةٌ، شديدة الوعورة، فرصها في الزراعة الواسعة، محدودة. غير أنها، مثل السودان، تملك ثروةً حيوانيةً، هي من ضمن الأكبر في إفريقيا. كما تملك مناخًا مطيرًا، في معظم أيام السنة، خاصة في قلب الهضبة. لدى أثيوبيا فرصٌ لزراعةٍ محدودةٍ، لكنها نوعية؛ كزراعة البن، وهو محصول بالغ الأهمية في السوق العالمي، إضافةً إلى الزهور، وصنوف من الفواكه. رغم ضيق أراضيها، تعد إثيوبيا مكتفيةً من الغلة التي يأكلها الشعب الإثيوبي، وهي الذرة المسماة، “التف” Tef. عمومًا، المجال المتاح لإثيوبيا هو التصنيع. ولخلق قاعدةٍ صناعيةٍ كبيرةٍ، لا بد من مصادر ضخمة للطاقة الكهربائية. وقد أـتاحت لها طبيعتها الجبلية، فرصةً، كبيرةً، لإنتاج ما يكفيها، وما يفيض للتصدير. ولكونها تملك العديد من المسارع المائية، تبني، إثيوبيا، إلى جانب سد النهضة، عددًا من محطات توليد الكهرباء. وحين تكتمل هذه البنية الضخمة، سوف يصل إنتاج إثيوبيا، من الكهرباء إلى ما يقدر بـ20,000 ميغاوات، لتلحق بجنوب إفريقيا، ومصر، والمغرب، في الانتاج الكهربائي. ولتحقيق الطفرة الصناعية شيدت إثيوبيا، بمساعدة صينية، مجمعات صناعية ضخمة.

لم يتجه الإثيوبيون حين فكروا في بناء سد النهضة إلى الاقتراض من الجهات الدولية، وإنما اتجهوا إلى استنهاض همة شعبهم، وتجميع طاقته، ليُسهم كل فردٍ منهم، بما يستطيع. ولقد اكتشفت طرفًا من تفاصيل ملحمة سد النهضة المدهشة، عبر صداقةٍ ربطتني بدبلوماسي إثيوبي، كان يعمل في سفارة إثيوبيا، بدولة قطر. فقد عرفت من أحاديثي معه، أن المغتربين الإثيوبيين، في دول الخليج، بما في ذلك عاملات المنازل، وفي غير دول الخليج، يقتطعون من رواتبهم، قدرًا ثابتًا من المال يسهمون به في بناء سد النهضة. بعض هذا المال المقتطع تبرعات، وبعضه الآخر شراء لسندات ذات عوائد مالية، يتلقاها المشتري لاحقا. الشاهد أن القيادات الإثيوبية عرفت كيف تستنهض همة شعبها، لتبني، بالعون الذاتي، هذا الصرح الضخم، الذي تزيد كلفته، عن 4 مليار دولار. وقبل بضعة أعوام، بلغت تحويلات المغتربين الإثيوبيين، ولأول مرة، 5 مليار دولار. متخطية بذلك، ما ترفد به عوائد البن، الخزينة العامة.

تنشغل النخب في إثيوبيا بالسياسة كمعترك للتنافس على الإنجاز، وجمع الشعب حول ملاحم تنمويةٍ، تستنهض الهمم، وتبعث الأمل في المستقبل. في حين تنشغل نخبنا، بالسياسة، كتنظير ديماغوجي للتمايز. ينحصر في لغة الخطاب، والصراع العقيم، والمراوغات التي تبطئ أيقاع كل شيء، وتقتل روح كل شيء. فهلا جعلنا من فترتنا الانتقالية فرصة لوضع القواعد لانتشال البلاد من الوحل؟ وهلا كففنا عن النهل من طحالب المنصب، والوجاهة، والمال؟ وهلا عرفنا كيف نستقطب موارد مغتربينا الضخمة، لنخرج دولتنا الغنية، من ربقة الفقر المدقع؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.