مَدرسَـــــــةُ هَنُـــــــــــود أبِيـَّــــــــــا!
كتب: آدم أجــــــــــــــــــرى
.
الأخلاق بشهادة الجميع هى الضحية الكبرى لعصر الإنحطاط الذى أسسه الإسلامويون، وقضى على أى بارقة أمل فى صلاح قريب، الموقف تشاؤمى تعاركه إشراقات نادرة تعلن حضورها بين حين وآخر. المشهد الأخير صنعه بروفيسور هنــــــود أبيــــــا، أكد به أن القيم مازالت قائمة تسجل صموداً. وكما كان متوقعاً إشتغلت آلة التشهير التى تديرها عصابات المركز كى تهيل عليه تهماً منجورة للتو، ولم تكن لها وجود خلال أمسٍ قريب، ألقيت عليه حتى قبل إبدائه رأياً حول عرض مقدم له لشغل منصب رئيس الوزراء بديلاً عن دكتور عبدالله حمــــــدوك. وصفته بأقذع العبارات، دمغته بالكوزنة المرادفة للفساد، زُيّفت صوره بلا أى مهارة فأظهرته فى مجالس عصابات الإنقاذ. البسطاء صدقوها مع تمام علمهم بإستقلاليته غير المؤيدة لحكومات تلك الفئة. نحن الذين -على الأقل- نعرفه أكثر ممن يتهمونه جزافاً، لا نجد واقعةً واحدةً صالحة لقيام ما يُروج له القوم. وبالنظر إلى الأضرار البليغة لهذه الشائعات، نرى أن النفى وحده لا يكفى -نتسآءل عن موقف القانون من تزييف الصور الشخصية بقصد الإضرار بالسمعة- للتفنيد يكفى تعديد عروض سابقة تلقاها لشغل مناصب وزارية هامة بلغت سبعة، فأتى زهده تعضيداً لرفضه خدمة عصابة قهرت الشعب لعقود. العرض الأخير كان إستثنائياً وفى منعرج مفصلى، ومن مستنقعات المركز خرجت أقلام عبرت بوضوح حيناً، وبتَوارٍ مقروء حيناً آخر، أن هنــــــود أبيــــــا جفف لها مدادها المسموم، كتبت هذه الأقلام الرخيصة، بأنها لم تتوقع منه مثل هذا الموقف المشرف -كأنه لا يستحقه- ولاشك أنهم يوزنون آراءهم بموازين أعينهم التى تجهرها بريق كل سلطة فيظنون أن الآخرون سيفعلون مثلهم بلا إعتبار لثمنه الأخلاقى. الرجال الحقيقيون لم ينقرضوا ونفاجأ بهم راكزين، بينهم نفائس مثل هذا الرجل، ولا غرابة إن علمنا أنه سليل أحد أبطال ثورة السلطان عجبنــــــا ونسخة أخرى من أسلافه الذين لا يعرفون طعناً من ظهر ولا لهثاً خلف نفاية، المواجهة طبعهم والتجرؤ على قول كلمة -لا- ساعة وجوبه سمتهم، ذلك فى الوقت الذى تنكس فيه الهامات الوضيعة طمعاً فى ترقٍ غير مستحق. إنها الكرامة النادرة الموضوعة مع الموت فى نفس الكفة، مقابل السلطة والمجد معاً فى الكفة الأخرى، فيخذلون التوقعات بإختيارهم الأولى، تماماً كما فعل السلطان عجبنــــــا عندما آثر الموت بكرامة بدلاً عن خيانة أهله والتكسب من دمائهم المهدورة فأسس مدرسة عظيمة للتضحية. على شاكلتها يؤسس اليوم بروفيسور هنــــــود أبيــــــا مدرسة أخرى لجيل قادم قوامها الأخلاق، وأن السلطة لا قيمة لها إن خالطت إنحطاطاً وإقتُرنت بتحصيل مغانم من ضحايا ساعة غفلتها. الإعتذار عن رئاسة مجلس الوزراء فى هذا التوقيت الذى يشوبه إلتباس كبير سقط على إثره ضحايا هو موقف عظيم. وقد عبر بعض السياسيين الغربيين عن إعجابهم بموقفه فوصفوه بالشجاع المحترم الذى تخلص من الضغوط وذهب إلى الخيار الأصح. حقاً نشعر بالفخر به، نبارك له، وللشعب بحسبانه معدناً أصيلاً وأيقونة أخلاقية قدر الثورة السودانية.