هل الانقلاب انحياز للشعب أم “سر الليل” لضرب الثورة؟ بيان عوض ابن عوف
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
قلت إن الترويج لانقلاب ١١ إبريل ٢٠١٩ كانحياز للثورة باطل الأباطيل. فهذا التذرع بالانحياز لها في أحسن أحواله “سر الليل” الذي تتدارك به قيادة الجيش انقلابياً ثورة لو خرجت من يدهم بالكلية لحدث لها ما لا يحمد عقباه. والانقلاب من شاكلته معروف بانقلاب “الفيتو”، أي أن الغرض منه هو تجميد الثورة عند نقطة ما مع تبييت النية ليقعد الانقلابيون لها كل مقعد يزعزعونها حتى تلفظ أنفاسها غير مأسوف عليها. وسبقت لمثل هذا الانقلاب لنا سابقة تمثلت في انقلاب قيادة الجيش المعروف بانقلاب سوار الدهب في ٤ إبريل ١٩٨٥. ونجح قادة ذلك الانقلاب الذين اتخذوا مجلساً عسكرياً لفرض أنفسهم على الثورة حتى قضوا عليها بالضربة القاضية كما سبق بيانه.
لنقف على حقيقة انقلاب ١١ إبريل كانقلاب فيتو صح أن ننظر إلى حيثيات يومه الأول بقيادة الفريق عوض ابنعوف. فالبيان الذي تلاه الفريق بيان انقلابي تقليدي من جهتين: فمن جهة جعل للجيش، لا غيره، إدارة الفترة الانتقالية التي استقل بتحديد أمدها، أما من الجهة الأخرى فصرف الشعب، الذي زعم الانحياز له، من ساحة السياسة كمصدر إزعاج ومباءة خطر.
فقررت اللجنة الأمنية من جانب واحد ما سيكون عليه حكم البلاد وكأن الثورة، التي أطلقت لسان أعضاء اللجنة بعد إذعان للنظام القديم مهين، لم تكن. فقرروا تشكيل مجلس انتقالي يتولى الحكم لفترة انتقالية مدتها عامين بواسطة ممثلين محدودين لمكونات اللجنة الأمنية. وواضح بمثل ذلك الانفراد بالقرار في صورة الحكم القادم وكأن اللجنة الأمنية تقول “ماين منو”، في لغة الكورة، أو المقدم ما موصل. وانصرفوا جزاكم الله خيراً.
ووجدت نفسي علقت على ذلك الصلف الانقلابي للجنة الأمنية في يومه بقولي:
“قد بدأ انقلابيو ١١ إبريل بيانهم الأول بآية من محكم التنزيل عن الاعتصام جميعاً بحبل الله. وصح السؤال هنا: ولماذا خلا هذا الاعتصام بحبل لله من القوى المدنية التي فكت عقدة لسانكم بعد ٣٠ عاماً من صمتكم المهين كقوى نظامية عانت الأمرين من النظام كما قلتم. فجاء في بيانكم أنكم عشتم كقوى أمنية “ما عاشه افراد الشعب وعامته” في البلد موفور الموارد. فكيف صبرتم على نظام جاء باسمكم وبضاعته الكذب؟ وكيف تجازون بالإبعاد من مدار القرار في نظامكم الانقلابي من وصفتموه بأنه صبر صبراً فوق تحمل البشر بحكمة “أبعدت عنه (الوطن) التفكك والتشرذم والفوضى والانزلاق إلى المجهول؟” كيف ساغ لكم الاستفراد بعامين من حكم عسكري تستقلون فيها عنا بحرص مستجد على “سلامة المواطن والوطن”؟ فلا يطرأ لكم فيه إشراك من ذكرتم لهم سؤدد ومتانة قماشتهم الروحية تحت نظام البشير، ومهارتهم في خوض لججه الكأداء؟ لقد تخاذلتم عن نصرة حقنا لثلاثين عاماً وأنتم في خفض من السلاح بينما خرجنا لذلك الحق مراراً بقوة الحق مضرجاً بالدماء”.
وكان كف الشعب عن ثورته هو لب بيان اللجنة الأمنية. فجعل البيان من الثورة التي كانت تحاصر اللجنة الأمنية ساعة قرارهم باقتلاع الإنقاذ “حالة أمنية” حرجة.
وجاءالبيان بالوصفة المضادة لها. فأعلنت حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر، وحظر التجوال لمدة شهر من الساعة العاشرة إلى الساعة الرابعة صباحاً. وطغى في البيان هاجس اللجنة الأمنية بحفظ الدم الغالي للمواطن السوداني الكريم بالمحافظة على الحياة العامة للمواطن دون إقصاء، أو اعتداء، أو انتقام، أو اعتداء على الممتلكات الشخصية أو العامة، وصيانة العرض والشرف مما استدعى الفرض التام للنظام العام، ومنع التفلت ومحاربة الجرائم بكل أنواعها. ومن فرط هوس اللجنة الأمنية بالثورة كشغب يتهدد سلامة المواطن والوطن معاً ناشدت، وهي تتحمل المسؤولية عن البلاد لوحدها، أن يتحمل المواطن المسؤولية معهم بالصبر على بعض الإجراءات شراكة منه في أمنه وسلامة الوطن.
لم يدم انقلاب اللجنة الأمنية سحابة يوم. لفظته الجماهير لفظ النواة لتفرض على العسكريين، إذا لم يكن من الأمر بد، “مساومة” انقلابية أفضل على ثورتها. ولكن في قصر عمر الانقلاب الاستثنائي حجة بليغة أن قيادة الجيش لم ترد به الانحياز للشعب. فلن تجد للشعب ذكراً إلا في شرط أن يبطل حركات الشعب تلك. وينطم.