“ورجغة” التفريط في السيادة الوطنية

0 73
كتب: د. النور حمد
أخيرا قطعت جهيزة قول كل خطيب، وخرج مجلس الأمن بقرارٍ مزدوجٍ، يتضمن إرسال بعثة مدنية تحت الفصل السادس، كما طالب السيد رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لكن، مصحوبًا بتمديد بقاء قوات يوناميد في السودان لستة أشهر أخرى، تنتهي بنهاية هذا العام. بهذا انغلق الباب على “الورجغة” الفارغة، التي بدأت منذ شهور. وستأتي بعثة أممية من الخبراء لتعين على إنجاح الفترة الانتقالية، دعمًا للتحول الديمقراطي في البلاد. لقد شن كارهو الثورة حربًا غير شريفة على رئيس الوزراء، ذي السند الجماهيري غير المسبوق، بدعاوى التفريط في سيادة البلاد، مع أنهم هم الذين وضعوا البلاد، تحت الفصل السابع، منذ عام 2007. ودخلها بسبب بطشهم بمواطنيهم وممارستهم التطهير العرقي وسياسة الأرض المحروقة، عشرون ألف جندي أممي، لا يزالون هناك حتى هذه اللحظة. لقد أوضح السيد رئيس الوزراء أنه يريد أن ينقل البلاد من الفاصل السابع الذي ورطونا فيه، إلى الفصل السادس، الذي لا يتضمن وفود قوة عسكرية. والغرض، بالتحديد، هو الاستفادة من موارد الأمم المتحدة الضخمة وخبراتها في تثبيت السلام، وإعادة توطين اللاجئين، والإعانة في جهود الاصلاح الإداري، والإعداد للانتخابات، وبناء القدرات والتدريب، وغير ذلك. إلا أن هؤلاء أصروا على “الورجغة”. الآن جاء القرار وفقًا للفصل السادس، متضمنًا التمديد للجنود الذي جاءوا في عهدهم. فكل مصيبةٍ نعاني منها الآن هم سببها.
يخسر سدنة النظام المدحور كل صبحٍ جديدٍ واحدة من معاركهم الدونكيشوتية. بدأ عبد الحي يوسف حملةً عارمةً لشيطنة الوزيرة ولاء البوشي، لكن ما أن طفحت فضيحته باستلام 5 ملايين دولار من الرئيس المخلوع، فر خارج البلاد. اشعلوا، أيضًا، حملةً لشيطنة الدكتور عمر القراي، ما لبثت أن خابت، رغم الجهد الضخم الذي بُذل فيها. تلت ذلك حملةٌ لشيطنة وزير الصحة، سرعان ما انفجرت فقاعتها. وبين هذه وتلك، اتجهوا إلى استهداف رئيس الوزراء بسبب مخاطبته الأمم المتحدة، فاتهموه بالتفريط في السيادة الوطنية، فانجلى غبار هذه المعركة عن هزيمة جديدة. لقد أثبت هؤلاء، مرارًا وتكرارًا أنهم لا يريدون لهذه البلاد التعافي مما جرّوه عليها من مآسي. إنهم فقط يريدون أن يعودوا لرفع لافتات التدين الشكلي الكاذب، ليمارسوا، من ورائها، الاستبداد والغطرسة والعنف ونهب المال العام، وحيازة العقارات والأراضي، وتملك الشركات، وإيداع الدولارات في البنوك الأجنبية.
يعلم الجميع أن الجنوب، وحلايب، والفشقة، وأبيي، قد ضاعت جميعها في عهدهم. كما خرجت في عهدهم أجزاء أخرى من البلاد عن السيطرة الحكومية؛ في جنوب كردفان والنيل الأزرق. والآن تقرر أن يبقى جنود بعثة اليوناميد حتى نهاية 2020، ولربما يتمدد وجودهم حتى يثبت أن الخطر على المدنيين قد زال تماما. الآن على المكون العسكري أن يثبت أن عهد البطش بالمدنيين قد ولى. خاصةً أن العديد من جنرالاته شاركوا في حروب الإبادة في دارفور، ونفذوا مجزرة القيادة العامة. وهذا هو ما جعلهم غير موثوقٍ بهم من قبل مجلس الأمن، والمنظمة الأممية، والاتحاد الإفريقي، والدول الكبرى. وسيظل شبح الوصاية الدولية ماثلاً، ما لم توضع الأمور في نصابها، ويرسخ الحكم المدني، وينتهي نهج قتل المدنيين العُزَّل. وفي تجارب الدول الأخرى لنا عبرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.