يكاد اتفاق جوبا يقول خذوني: مناوي حاكما على دارفور والجمال ماشيات

0 74

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

قلت أمس إن الحاجة ماسة لتقليب خبرتنا في الحكومة الانتقالية أذا ما أردنا اشتداد وسداد النهوض القائم لنسترد المواقع التي أزاحنا منها انقلاب ٢٥ أكتوبر. ونريد أن يخرج لهذا التقليب مؤسسياً بأهل النظر حتى نتعافى من حالة “العوة” التي طبعت محاججات السنوات التي سبقت الانقلاب وأعاد بيان البرهان الانقلابي إنتاجها حجة علينا. وأبدأ بتعليق على الوثيقة الدستورية مصابنا الأكبر من العوة تلك السنوات.

ستدخل الوثيقة الدستورية لعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ التاريخ كالوثيقة الكأداء الخرقاء. فلم يجف حبر موادها حتى طارت الشكلة بين القانونيين في صف الثورة حول المسؤول عن خراقة فيها لم أعد أذكرها. ووُصفت بالخيانة من جهات لم تقبل بها كسِفاح بين المدنيين والعسكر فيها. وهي عندهم بالنتيجة تعاقد بين “شركاء الدم”. وتكاثرت عليها الرماح حتى لم يعد من موضع فيها لطاعن. وقال القائل في أصيل الانتقالية إنها مما تلاعب بها أشخاص.

لم نحسن قراءة الوثيقة لا نصاً ولا كتعاقد سياسي. ظللنا نسمع أن مجلس السيادة اختطف اختصاص السلام من مجلس الوزراء. وهذا قول قد لا يجد سنداً قاطعاً من النص. فجاء ذكر اختصاص السلام في موضعين مربكين. فجاء التكليف ضمن اختصاصات مجلس الوزراء وسلطاته (١٦-٢) بقول الوثيقة إن من تبعات المجلس “العمل على إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام” في حين كلفت الوثيقة مجلس السيادة ب”رعاية عملية السلام مع الحركات المسلحة” (١٢-س) علاوة على تعيين رئيس وأعضاء مفوضية السلام “بالتشاور مع مجلس الوزراء” (١٢-٣). وقام المجلس برعاية عملية السلام مع المسلحين كما بدا له، وعين مفاوضي جوبا. ولا أعرف إن كان سماهم مفوضية السلام أم لا، أو إن كان شاور مجلس الوزراء. والمهم أننا أذعنا عن اختصاص السلام قولاً قاطعاً جعلناه على عاتق مجلس الوزراء، وكِلنا له النقد الزعاف بينما هو كما رأينا حالة مرتبكة لا تعرف لها مستقراً بين مجلسي السيادة والوزراء. وإن كان لمجلس السيادة الأرجحية نصاً.
ومع ذلك لم يحتكر العسكريون اختصاص السلام دون مجلس الوزراء كما رأينا لضعف أصيل في المدنيين في الحكم الانتقالي، بل لإضعافهم. فكان هؤلاء العسكريون، في بحثهم عن قاعدة سياسية يقوون بها مركزهم حيال قحت، قد تعاقدوا مع الجبهة الثورية على صفقة للسلام لن تكون إلا إذا جعلوا اختصاص السلام ملكاً حراً لهم لا شريك لهم فيه. ووقع ذلك التعاقد في تشاد في لقاء بين قادة الجبهة وحميدتي. وغطغطوا ذلك اللقاء بقول مناوي وقتها إنه صدف أن كان في تشاد مع أحد قادة العدل والمساواة حين زارها حميدتي. وطلبت منهما تشاد لقاءه.

أطلع من دورك! وطلع مناوي من دوره قبل أيام حين كشف عن “ما تحت طربيزة” ذلك اللقاء. فقال إنهم تعاقدوا مع حميدتي أن لهم طيبات السلام جميعاً على ألا يلحوا على التحقيق في مذبحة فض الاعتصام ولا تسليم مطلوبي المحكمة الجنائية لها. وكانت الجبهة الثورية قد عادت يائسة من الاتفاق الذي تريده من “مارثون” مفاوضاتها مع قحت في أديس أبابا والقاهرة وما بينهما أول قيام مجلس الوزراء. ووقع لها اتفاق العسكر على جرح.

قيل عن المهدي إنه حين يظهر يحثو من بركته المال حثواً. وكان اتفاق جوبا هذا الحثو الحميدتي للجبهة الثورية حثواً. وبلغ تخميج الجبهة الثورية فيه حداً سخريا. فبالله عليك هل سمعت باتفاقية مستفادة من دستور تعلو على الدستور نفسه علو العين على الحاجب. فجاء في الوثيقة الدستورية أنه إذا تعارضت الوثيقة واتفاق جوبا يُزال من الوثيقة ما لا يتوافق مع نصوص اتفاق جوبا. هكذا بلا حشمة. بل تم إعفاء قادة الجبهة الثورية من شرط ألا يترشحوا في الانتخابات العامة التي تلي الفترة الانتقالية الذي ألزمت به الوثيقة الدستورية في صورتها الأولى رئيس وأعضاء مجلس السيادة والوزراء وولاة الولايات أو حكام الأقاليم. فهم لن يترشحوا في الانتخابات العامة التي تلي الفترة الانتخابية. بل ورفع اتفاق جوبا قانون تسجيل الأحزاب عن منظمات الجبهة الثورية ومليشياتهم بالضرورة.

أما الخمج الجد ففي مواد في اتفاق جوبا تكاد تصرخ: “مني مناوي هو حاكم إقليم دارفور القادم” فجاء في اتفاق مسار دارفور في سلام جوبا وجوب استعادة نظام الأقاليم بديلاً عن الولايات خلال ٦٠ يوماً من التوقيع على السلام في مؤتمر ينعقد للغرض. ونص الاتفاق على قيام الحكم الإقليمي في دارفور اتفقت بقية أنحاء السودان على عودة الحكم الإقليمي أو لم تتفق. فدارفور ستصير إقليما في ظرف ٧ شهور من الاتفاق والجمال ماشيات. ويكون عليها مناوي بدون ذكر الأسماء. وهذا عبث. فكيف يقوم لدولة قوام وجزء منها بوضعية الإقليم وبعضها الأخر بوضعية الولايات؟

وسيطول الكلام إن تحدثنا عن اختلاس العسكريين لاختصاص الاتفاقات الدولية. فهو من اختصاص مجلس الوزراء (١٦-٣) ولكن عسكريّ المجلس كان أمرهم “ضروري يا الكاروي” لسداد فاتورة الدعم الأماراتي لهم والانجرار في سلام إبراهيم مع إسرائيل. وربما كانت هذه الأولى عن جيش يختلس السلام مع العدو من وراء ظهر شعبه.

وضحت الصورة. فكثير مما عده الحقوقيون خرقاً في تحرير الوثيقة أو ضعفاً أصيلاً في المدنيين لم يكن سوى إضعاف لقحت سهرت عليه منذ انقلابها في ١١ إبريل ٢٠١٩. كانت الوثيقة الدستورية نفسها، بما أعطت العسكريين عن استحقاق وغير استحقاق، حلقة من حلقات هذا الحفر للمدنيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.