“٢٥ مايو” خيالات الصبا الباكر.. وطوفان الأغاني
كتب: طارق اللمين
.
ايام حكم النميري مثلت لجيلي ايام الطفوله والصبا وهي فترة من العمر تحج إليها الذاكره مهما كان وصف الساسة لها من عبارات الشموليه وحكم الفرد وضياع الديمقراطيه حيث لم تكن مثل تلك المصطلحات معروفه لنا بقدر يكفي لمقاطعة الحياه ايام النميري والتذمر منها فكيف للإنسان أن يتذمر من حياته وذكرياته لأجل مصطلحات لم يفهم بعد مغزاها ومراميها… ورغم أنني كديامي والديم(تربية شيوعيين) كنت استمع لعبارآت مناهضة لمايو ولضرورة عزلها كنظام قالو لنا أنه باطش وسالب للحقوق لكنا لم نكن نعرف تلك الحقوق التي حدثونا عنها… لقد كان من الصعب على يافع مثلي قبول أن الحقوق مضاعه وهو يشتري حلاوه قطن بتعريفه واحده… وفانتا بذات المبلغ ويدفع (لست النسا) بائعة الطعميه قرشا ثم يقف ممشوقا ينتظر الحصول على الباقي ليستأحر منه عجله من النور العجلاتي… اذكر ان تلاميذ المدرسه تحلقو يوما حول تلميذ اخرج من جيبه (طراده) واحتشدو في موكب لرؤيتها وانتهى ذلك الموكب بأن قامو بإخطار ناظر المدرسه بالأمر خوف الفتنه والذي كان لقبه (فريني) فتم استدعاءه في الطابور للتحقق من عدم وجود شبهة جنائيه او فساد في الحادثه.. حيث لم يكن يعقل حينها أن يحمل التلميذ مبلغا ماليا تعلو قيمته على قيمة لقب ناظر المدرسه (فريني) والفريني هي قطعه معدنيه غير جاده من فئه القرشين يزيد حجمها قليلا عن الزراره وكأنها قد صنعت على مضض كهزار ساي… رغم ضخامه قيمتها الماليه.
وكان من ينال عيديه مقدارها شلن يشعر بالفخر مثل عنتره بن شداد كما كان المرء يحتفظ في حصالته بمبلغ يناهز ريالا كاملا (عشرة قروش) لمواجهة نوائب الدهر.. ويشعر بالسعاده حين يدس أولى الأمر في يده مبلغا وقدره واحد (فريني) او (ابقرشين).
مالذي يحفز الأطفال على معاداة نظام يمنحهم ملابس خضراء انيقه في جوقه لطيفه كانو يسمونها (طلائع مايو) ويدربهم على الغناء وحفظ (سوداني الجوه وجداني و بريدو) وتغني له البلابل (ابعاح اخوي..يا دراج المحن) لماذا نعادي نظاما يصدح له سيد خليفه ( ايدناك باييعناك… يانميري ايدناك….
للجمهوريه.. ايدناك بالملايين قلناها نعم.. قلناها نعم)وهو يقفز من أعلى القطار إلى الأرض ويعتلي ظهر الخيول والدبابات.
كيف يريدوننا أن نفعل ذلك…( فعلا شيوعيين)
نظام كان يغني ويردد له عبد العزيز محمد داؤود:
الشعب قسم
يقولا نعم
ليك بالقائد الملهم
نقولا من الضمير والفم
نقولا نشيد
نقولا نغم
عشان أولادنا تتعلم ..)
كنت وصديقي نحاول أن نتعلم العزف على آله الطنبور… وقد أخبرنا احد المهره في العزف من الجيران أن أسهل اغنيه يمكن أن نتعلم بها هي اغنيه تسلم مايو..لينا ولي بلدنا) لبساطه لحنها وسهوله عزفها… لكن والد صديقي الذي كان شيوعيا في نقابة النقل النهري رفض ذلك صائحا فينا.. (دايرين تتعلمو الطنبور اتعلموهو بي غنا محترم… وفعلا تظاهرنا بالانصياع لكننا كنا نعزفها سرا حينما يغادر والد صديقي للعمل… شفي الله الفنان ابو.عبيده حسن… كما أن إسماعيل حسب الدائم كان يرتدي لبس الطلائع ويردد.. تعيش يامايو.. دون أن يتهمه احد بنصرة الشموليه ومعاداة حقوق الإنسان… رحم الله حنان السجانه فقد رددت على مسامعنا بصوت شديد البراءه بفكرك ووعيك ياريس.. ياداب سودانا بقى كويس.
لقد كنا نشاهد وزراء الحكومه في كامل الاناقه والبهاء وكان منصور خالد يبهر الناس بارتداء البدله الاوربيه الانيقه والاقمصه الافريقيه وكان النميري يرتدي ملابس كرة القدم ويشارك في مباريات طرفها سياسيين ووزراء ومسؤولين.. حتى أن إحداها شارك فيها محمد إبراهيم نقد من مخبأه من تحت الأرض.. كما كان زين العابدين وزير الشباب والرياضه يحمل إله العود ويغني ماشاء له ذلك..وابو القاسم محمد إبراهيم يحضر مبتهجا للمشاركه في سهره تلفزيونيه على الهواء مباشرة كان ذلك قبل أن يهجم تتار الكيزان بقبحهم على المشهد المايوي فيحيلون الحياة إلى قبح وبؤس ونشاذ
اذكر انه حتي المظاهرات والاحتجاجات التي شاركنا فيها في عهد مايو في بداياته أو عهد الطفولة والصبا كانت فيها هتافاتنا موفورة البراءه… فقد رددت مع آخرين أن :
تووت تووت… نميري عتووت.
وانا بهذه المناسبه اتذكر أسماء كل من شارك معي في هذا الهتاف كما أعلن استعدادي للإبلاغ عنهم لسلطات التحقيق متى تطلب الأمر.. ذلك… وأعلن أن هواتفنا على الشاشه… وأقر أن حسن طحنيه وفطومه بت القبنا… وأولاد وبنات كوكو كانو معي من ضمن أولئك المندسين
تأمل ذلك الهتاف عزيزي القارئ أيا كانت درجة الكرم عندك:
الكراس خمسه قروش
رطل السكر سبعه قروش
كان ذلك بعد ارتفاع سعر الكراس إلى سته قروش ورطل السكر إلى ثمانية قروش
لم نكن نتردد أن صاح أحدهم في وجوهنا متسائلا :
ابوكم مين؟؟
أن نشتعل وراءه بالرد صائحين:
نمييييييري
دون أن يشعل ذلك غضب الآباء والأمهات.. اللهم الا ذلك الشيوعي والد صديقي الذي منعنا من تعلم العزف باغنيه تسلم مايو.. غفر الله له ولنا وعاشت الذكريات صادقه ونبيله ونقول حليلا… حليلا…
ترم تم تم
تاريلا لا
الذكرياااااااااات
(انتهت)