أبو الروس: فيهو بكيت وما استغفرتَ!

0 157
كتب: د. مرتضى الغالي
.
اليوم الخميس لا سياسة ولا حديث عن طلة الفلول الكريهة….ويمكن أن تقول من “باب التندُّر” إن خالد أبو الروس (مصيبة إبداعية)! فهو شاعر ومسرحي وكاتب سيناريو ومؤلف مسلسلات وصحفي وإذاعي وممثل ومنولوجست وحافظ مأثورات أدبية ونحوية ولغوية..ومعلم عمل في مدرسة واحدة 43 عاماً! يقول إنه قام بتأليف وإعداد مسرحية (تاجوج) عام 1932 قبل مسرحية المك نمر للعبادي! ثم قام بالتمثيل فيها بمعونة صديق فريد وبابكر بدري، ثم هو صاحب مسرحية (خراب سوبا) وهي أيضاً في الثلاثينيات.. قام بتمثيلها ولعب فيها دور المرأة (عجوبة).. وله بالإضافة إلى هاتين المسرحيتين مسرحية (إبليس) الشهيرة و(طرشقت) و(السبعة الحرقو البنبر) و(البعاتي) وغيرها من روايات الفصل الواحد؛ ومنها: مقتل غردون، وأكتوبر، والحب والمال، وكرري وغيرها…هو من مواليد 1908 وتلقى تعليمه في الخلوة وفي مدرسة العباسية ثم في المعهد العلمي الذي خرج منه مع بعض الطلبة (المطاميس) عندما اختلفوا مع شيخ المعهد (أحمد أبو دقن)… ثم عمل في جريدة النيل كما عمل مخبراً ومحرراً فنياً في (جريدة الناس) لصاحبها محمد مكي، وكان مشهوراً بالهجاء وإشعال المعارك السياسية والفنية، وهو من رواد الأدب السياسي الساخر وكتب بعضه عبر باب (حاج أم قلة) و(حديث الغابة).. وأنشأ مجلة (اضحك) ولكنها لم تستمر طويلاً…. كان من رواد بل من أساطين (سوق الموية) ملتقى الشعراء والفنانين والحرافيش بأم درمان.. وللرجل ملكة كبيرة في كتابة المنلوجات..و(ترام أبوروف) وحكاياته من الموضوعات ذات النصيب الوافر من سخرياته ونقده الاجتماعي.. كان والده عبد الرحمن خالد من مشاهير كتابة الدوبيت والشعر القومي ومن مجايلي العبادي وسلطان العاشقين وأبو صلاح ومحمد علي بدري وخليل فرح، فورث عنه فن الدوبيت وساعده ذلك في المسرح الشعري…ورغم ملكته اللغوية (المعهدية) لم يكتب الشعر الفصيح؛ ولكنه كتب الأغنيات الرائقة العذبة.. وكان مولعاً بمقرن النيلين وظهر ذلك في ثلاث من أغنياته؛ إحداها كانت أول اسكتش سينمائي مصوّر كما يقول أو أنه تزامن مع اسكتش (هل تدري يا نعسان) وكانت أغنيته في الاسكتش هي (عايزين نكون على مقرن النيلين سوا.. سوا يا الحبيب) ثم جاءت أغنيته “المقرن في الصباح” للكاشف:(يا حبيبي قوماك ننفرد ..على مقرن النيل الظليل): وفيها تصويره العجيب: (شوف توتي يا المحبوب بدت / كالطفلة باكية تنهدت/ ضماها دا النيل الشفوق/ والطير عمل في نخيلا سوق/ والشمش طلّت شوفا فوق/ فسحتنا يا سيدي انقضت/ لازم نعود/عند الأصيل.. لازم نعود..) أما الثالثة فهي أغنية احمد المصطفى “ما أحلى ساعات اللقا” وفيها (قف يا وديع في الملتقى / شوف الطبيعة ورونقا/ نيلينا كيف متعانقة/ شوف النخيل الباسقا/ والنيل يفيض للروض سقا/ وزهور رياضنا منسقة/ بدت النجوم متألقة/ وأسكرنا نسّام الجنوب..) الأغنية الرابعة الرهيبة هي صابحني دايماً وابتسم: (صابحني دايما وابتسم/ ألقى الملاك بان مترسم/ والنور يلوح من وجنتيك/ والخُضرة زانت شفتيك/ موتي وحياتي بكفتيك/ انت الشرف سار ليك اسم/ والعفة دائما حفتك..! ثم الأغنية الحلوة (حيّرت أفكاري معاك أنتَ..أنتَ وين..ويييين يا سيدي)..كالشمس في علياك/ سامي وجهرني ضياك/ واسكرني طيب ريّاك/ يانوري يا ناري..بهواك وما داري/ ناسيني ليك طاري..وساكن قريب جاري…أنت وين ..وين يا سيدي..! خفة ظله وموهبته الشعبية ومقاطعه التي تفيض بالطرافة تظهر في أغنيته: “ردي عليا يا عينيا..سفرك طال متين الجيّة”: (حداد أنا عند يوم سافرتا / فيهو بكيت وما استغفرتا/ بي كل الغواني كفرتا/ صفّر قطرك أنا انتحرتا..)….أبو الروس قصته أطول من ذلك بكثير.!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.